" ع المجاريح.. لنقول ونعيد ع المجاريح " .. أجمل ( بفتح الألف ) رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف ولم يفصل (بضم الياء ) ، قال " قولته ، نحن شعب جريح، شعب يحتاج إلي الصبر والحكمة ، تطبيب الجرح بمشرط الجراح، وآخر الدواء الكي، وآخر دواء الشعب المصري عملية جراحية كبري تخرج " أم القيح " من قاع الجرح، وجع ساعة، ولا ألم كل ساعة، هكذا يقولون في الحالات المستعصية، التي تلزمها جراحة خطيرة، وربك الشافي المعافي. تحسبهم أغنياء من التعفف ، هذا حال المصريين، مجروحين بمطالب العيال، دروس، ومصاريف، وأكل وشرب، والأيد قصيرة والعين بصيرة، يخرج الرجل من بيته صباحا مهزوما، ويعود إلي بيته بعد الظهر كسيرا ، كان زمان أيام الأبيض والأسود يعود إلي حرمه المصون سعيدا يحمل البطيخة علي قلبه والجورنال تحت إبطه ، تسبقه ضحكته ، تجلجل من بير السلم ، ضحكة من القلب، يمضي الليالي هاشا باشا ، سلطان زمانه ، خطف غراب البين الضحكة من علي الشفايف ، أورثنا الفقر، كتب علينا الذلة والمسكنة، كم أريق ماء الوجه سلفا ودينا، وجمعيات وقروض وكروت غبية يسمونها " فيزا كارد . مجروحون من معاملة غير آدمية في دواوين حكومية ، سلطوا علينا من لايخاف الله ولايرحمنا ، نفر من الموظفين قدت قلوبهم من حجر، لا ترق قلوبهم لعجوز تتوكأ علي عصي ذهبت تصرف جنيهات المعاش، حتي المعاش جعلوه بالبطاقة الذكية، بالكارت، يقف العجوز أمام ماكينة صماء يترجي معدنها البارد أن تتحنن عليه وتخرج من خزانتها جنيهات يقمن صلبه، الظهر انحني من الانكباب علي الماكينة، الماكينة لاترحم ولاتترك رحمة ربنا تنزل نقودا . جرحي في معارك يومية مع أبناء جلدتنا، ليسوا جرحي معارك بالسلاح ، ولكن جرحي الغل والكراهية والرفض الذي كان يتعامل بها بعض موظفي النظام السابق، بعضهم كان شعاره " ما أنتم إلا عبيد إحساناتنا " .. الراتب بإحسان، والإضافي بإحسان، والحافز بإحسان، ومنحة عيد العمال بنفاق، ومعاش السادات بطلوع الروح، ومكافأة نهاية الخدمة علقة، آخرة خدمة الغز، نصبوا علينا من بيننا أولياء، ألا إنهم أولياء الشيطان. عد الجروح يا ألم .. كم سهرت أمهات ليالي طوالا تغلي القدر علي الماء القراح حتي يغلب سلطان النوم العيال، لا ينام جائع أو خائف أو بردان، الجوع ليس عنوانا لفيلم لمدة ساعتين، كان بروجراما مستمرا، ينكسر القلب جوه حنايا الضلوع من مشهد أم مكلومة في وطنها تلتقط الفتات من صناديق القمامة، أو تطلب عظمة من الجزار متعاصة لحم تعمل عليها حلة شوربة، العظم كان له سوق في عصر اللحم الرخيص، أما عن أرجل الفراخ فلا تسل ، من جرب مرقة أرجل الفراخ والجوانح لايرضي بكبد الوز، بعضهم كان يتاجر بكبد الوز " الفواجرا " في بلد الفول المدمس ، ناس لها الصدر وناس لها الجوانح ، كسروا جناحنا. وكم من جروح بليت ، إلا جرح الكرامة ، تحسبهم أغنياء من التعفف مرة ثانية ، نزلت من البيوتات الكريمة نسوة كمل( بضم الكاف ) أرقن ماء الوجه تسولا، ينفطر القلب وإحداهن تسأل الله في حق الدواء، كم من بيوت خربت بفعل مرض أصاب رب الأسرة، كان الشعار الموت أرحم ، كنا نتسمع رجوات الفضليات ليلا يارب ريحني، يارب توفانا فيمن عندك، كم من عفيفات تعرت، كم من كريمات جار عليهن الزمان ومال. موظفون محترمون، لا يقبلون الحرام، لا يقبلون الدنية ، مالت بهم الخطوب، من يجلس إلي جوارك يقود التاكسي مدير عام، حضرة المدير العام، يبتلع الرجل " اللطعة " في إشارات المرور، واللطع علي جنب الرصيف حتي يتكرم الباشا في إشارة المرور ويرضي عنه، بعضهم كان يدفع من حر ماله حذر الإهانة، وهناك من فرط في كرامته في إشارة، لم يملك أحدهم مصيره، لم يملك قوت يومه، يقود سيارته ليالي طوالا جريحا، جريحا، جريحا، يلعن أيامه ولياليه، قدر أحمق الخطي، لماذا نفر من سائقي التاكسي يفضلون كلمات تلك الأغنية الحزينة . شح القوت صار كالياقوت، المثقال بدينار، جوعي في طوابير العيش، جرحي في طوابير البوتاجاز، المصري يخرج من طابور إلي طابور، ومن موقعة العيش إلي معركة الأنابيب، ناس في بيفرلي هيلز وناس في الدويقة، ناس في " الأب تون" وناس في " الداون تاون" .. ناس فوق وناس تحت، ويغني عدوية علي آلامنا، ويطأ جروحنا بصوته المبحوح ، حبة فوق وحبة تحت، وياللي فوق ما تبصوا علي اللي تحت، عمرهم مابصوا، كانوا طوال القامة بقدر يصعب عليهم النظر لأسفل السلم، تحت في بير السلم ناس عايشة في جوف الأرض. شعب جريح، جفت ينابيع السخرية في روحه، تصحرت نفسه، جرفت إنسانيته، وسحقت كرامته، لا كرامة لنبي في وطنه، لا كرامة لشعب في وطنه، لم يكن يملك الكرامات سوي الأولياء، كانوا يلوذون بالأولياء والصالحين والقديسين، يقبلون العتب، يمسحون الأستار، يا رب يا ستار، استرها متفضحهاش، كان دعاؤهم الستر، وكان آخر دعواهم أن الحمد الله، يأكلونها حاف، حتي العيش الحاف عز عليهم ، ويقبلون ظاهر الكف وباطنها، ربنا أدمها نعمة واحفظها من الزوال، العيش الحاف كان نعمة، واللي يكرهها يعمي. كانوا يعيروننا بناطحات السحاب والكومبوند ومارينا وأخواتها وهاسيندا، كنا نري ونحلم، تصعب علينا نفسنا بعد الفرجة علي الإعلان، رب أسرة لا يجد ما يستر به البنات يشاهد ( والبنات ) إعلانات تحلق في السحاب، تصعد الأرواح إلي السماء محبطة، يلتحف بعضنا بالصمت، ويكتئب البعض، بعض يمزق بعضاً، بعض يقتل بعضاً، بعض ينصب علي بعض، بعض يبهدل بعضاً، بعض يجرح بعضا، كلنا جرحي، ويغني المغني ، جرحوني وقفلوا الأجزاخانات، وعد الجروح يا ألم.