أرى كلّ مدح للنبى مقصرا وإن سطرت كلّ البرية أسطرا فما أحدٌ يحصى فضائل أحمد وإن بالغ المثنِى عليه وأكثرا إذا الله أثنى بالذى هو أهله كفاه بذا فضلاً من الله أكبرا وفى سورة الأحزاب صلى بنفسه عليه فما مقدار ما تمدح الورى... ألا بذكر الحبيب تطيب القلوب، أصيخ السمع متنصتا، صوت المنشد يملأ فراغ القلب، ويتهدج الصوت، ويتهادى عذباً رقرقاً، وينكأ جراحاً، ويهز السامعين طرباً.. ويناغى كحمام الحمى، ويصدح من سكرة الوجد، وع المجاريح، لنقول ونعيد ع المجاريح، جرح وتباريح... مدد يا جد الحسن يا ابوكعبة بتلالى، انت الشفيع والدوا.. يا ابوالمقام عالى... كان سيرك عاكف بدائياً، مسرح من عروق الخشب يتحمل بالكاد اهتزازات كعب الغزال المتحنى بدم الغزال، على شدو بلبل الأغنية الشعبية محرم فؤاد، كانت تتمايل فتميل معها الرؤوس، لا أعرف لماذا كان الفلاحون من الجوار يلقون بالطواقى الصوف تحت أقدام الغزال. يقف على باب السيرك عجوز، نجا من زمن الفتوات بمعجزة يبتاع بضاعته.. «والحق كرسى» يقولها متكسرا بالحروف، ينغمها تنغيما، واللبيب بالإشارة يفهم. كان سيرك «البطل» أسطوانياً، صوت الموتوسيكل يثير ضجيجاً يضخمه الفراغ الأسطوانى فى دورات بهلوانية متتابعة من أسفل لأعلى وبالعكس مع توقفات بهلوانية فى الهواء، الموتوسيكل يطير فى الهواء، توفى البطل - بريلو – هكذا اسمه - إثر حادث أليم وخلفه «أحمد الملك»، الملك كان يطير بالدراجة يوم كان بريلو يطير بالموتوسيكل، شاهدت نموذجاً إلكترونياً لبريلو فى سباقات السيارات الافتراضية على الإنترنت. كان سيرك الحلو درة المولد، فقرات مثيرة، الساحر الهندى يخرج من البيضة كتكوت فصيح يصيح، استولت الدهشة على فلاح طيب جاء من آخر المدينة يسعى، الأسد يقفز من داخل حلقة النار، الهلع يخلع قلوب الشنبات، تحتضن محاسن الأسد، يستكين وسط تصفيق جنونى. الرجبة تمر بالحوارى صاخبة، والخلفاء يتقابلون، كل فى طريق، موسيقات نحاسية، وصوت جهورى يفج من وراء الأبواب: «أذكر الحبيب قلبك يطيب».. وتلاوة وترتيل وذبح وفتة ولحم وأوراد وأذكار والشيخ شرف يغنى للحبيب: «أنا نفسى أزورك يا نبى وأقول مدد» جلجلة شفاهية غير مكتوبة فى حب الهادى، أبوفاطمة، ينطقونها فى المنوفية بالنون. كل هذا الجمال، كل هذه العفوية الطهورية فى حب خير الأنام، بنحبه على طريقتنا، على مذهبنا، مذهب المصريين، بنحبه كما لم نحب غيره، بنحبه حباً يملأ الفضاء بين السموات والأرض، وبنحب ريحته وريحة ريحته والعترة وآل البيت، ومدد على طول المدد، وبناكل حلوى، بنحلى بقنا لأنه كان حلو المعشر، كانت جدتى تحفظ فيه أشعاراً، كان فى قلبها ساكن، وفى روحها، كانت بتعشق طه صبابة.. آه يا طه يا زين يا زين... لا حول ولا قوة إلا بالله، فى آخر الزمان يخرج من صلبنا رجال يُحَرِّمُون مولد الحبيب، حتى مولد الرسول سقط من حالق، فى دائرة الحرام والحلال، الدائرة الجهنمية اتسعت، يُحَرِّمُون الاحتفال وينسبون الحرمة لتراث الأولين، يزعمون المولد بدعة محدثة فى الدين، لا يجوز فعلها ولا إقرارها ولا الدعوة إليها، بل يجب إنكارها والتحذير منها ... ( من فتاوى ابن باز ).