تتذكرون جميعاً تلك الأيام الخالدة فى تاريخ الشعب المصرى التى بدأت مع صباح 25 يناير حينما خرجت الملايين من أفراد الشعب المصرى على امتداد أرض الوطن، تقودها طليعة شبابه الشجاع الواعى تهتف هتافاً واحداً يرتفع إلى عِنان السماء ويزلزل الأرض وهو «الشعب يريد إسقاط النظام».. وأظن أن د. مرسى كان وقتها واحداً من هؤلاء الناس قبل أن يتم اعتقاله. انتهت الثمانية عشر يوماً الخالدات بتخلى الطاغية الفاسد عن منصبه وتسليمه قيادة الدولة للمجلس العسكرى، الذى كان يترأسه، والذى استمر بدوره طوال عام ونصف محافظاً على «النظام» الذى هتف الشعب بسقوطه، واحتمل الشعب المصرى العظيم أياماً سوداء، اضطر فيها إلى الخروج بالملايين فى الشوارع والميادين مرات وراء مرات، ودفع ثمناً غالياً من دماء أبنائه وجروحهم وهو مازال يُصر على هدفه بإسقاط النظام، وأعطاه مناخ الحرية والديمقراطية الذى بدأت نسائمه تهب على الوطن بعد سقوط الطاغية وعائلته وأذنابه، الأمل فى تحقيق هدفه الذى يمكن أن ينتشل مصر من الحضيض الذى وصلت إليه فى جميع المجالات ومُستنقع الفساد الدى غاصت فيه لأذنيها. فرض الشعب إرادته عن طريق صندوق الانتخابات، وصعد على كرسى الرئاسة رجل منهم، استبشر به الكثيرون خيراً فهرع إليه بعض من خِيرة شخصيات هذا البلد وأكثرهم وطنية وإخلاصاً للثورة، ليمنحوه التأييد والمساندة فى مواجهة القوى الشرسة للنظام الساقط التى تريد القضاء على الثورة، ولم يثنهم عن ذلك معرفتهم بأن الرجل خارج من رحم جماعة الإخوان المسلمين ذات التاريخ السيئ والمواقف المشبوهة مع المجلس العسكرى، باعتبارهم- شئنا أم أبينا- جزءاً من نسيج المجتمع المصرى الذى عانى كله ما عانى طوال سنوات القهر والاستعباد والفساد. الغريب أنه بعد ذلك كله فإنه يبدو حتى الآن وبعد مرور أكثر من شهرين على تولى الرئيس مرسى مسؤوليته أن المطلب الشعبى والأمل فى «إسقاط النظام» لم يتحقق بعد! النظام الذى يطالب الشعب بإسقاطه ليس مجرد أشخاص، فهؤلاء ليسوا سوى الجزء التافه من المنظومة، والذى يسهل محوه بجرة قلم، ولكن الأهم والأصعب هو التغيير الجذرى لطريقة وفلسفة العمل على أرض الواقع لتحقيق أهداف الثورة فى توفير لقمة العيش بكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.. ذلك كله لن يتحقق بغير المصارحة والشفافية فى وضع المعايير الصحيحة التى على أساسها يتم اختيار الشخصيات ذوى الكفاءة والهمم العالية التى ستقودنا للنهضة والانطلاق إلى الأمام. النظام الذى طالبنا بإسقاطه كان يفرض علينا شخصيات لا ميزة لها سوى الولاء والطاعة للحاكم وحزبه وتبرير جرائمهم، وللأسف الشديد فإن ذلك النظام لم يتغير وإن تغيرت الأسماء والحزب! لقد شعرت كما شعر الكثيرون غيرى بالأسى والإحباط من الطريقة التى شابها الكثير من الغموض والتردد والاعتبارات والانطباعات الشخصية فى انتقاء رئيس الوزراء والوزراء والمستشارين ثم المحافظين وأعضاء مجلسى الصحافة وحقوق الإنسان.. نفس طريقة التفكير العقيمة فى اختيار أهل الثقة لا الكفاءة والتردد والمواءمات السياسية.. لقد تعجبت من التغيير الأخير للمحافظين الذى غير محافظى أقاليم معينة فقط وأبقى على الغالبية الذين هم بلا شك أحد أهم أسباب الفشل فى مواجهة المشكلات الحياتية للمواطنين ومعاناتهم لسنين طويلة، فعلى أى أساس تم الاحتفاظ بهم تماماً مثلما فعل المجلس العسكرى منذ عام تقريباً! النظام لم يتغير فلم نر حتى الآن إجراءً واحداً يُحَسن من حياة فقراء هذا الوطن الذين يشكلون غالبيته، سواء من ناحية الحد الأدنى للأجور أو تخفيض أسعار السلع الغذائية الأساسية وضبط الأسواق.. النظام لم يتغير فلم نسمع حتى الآن عن تغيير جوهرى فى ميزانية الدولة يُخفض من ميزانية رئاسة الجمهورية ومصاريفها مثلاً وغيرها من ميزانيات مايسمونه جهات سيادية وأمنية لصالح ميزانيتى التعليم والصحة، وهما المجالان الأهم فى حياة الناس، اللذان أهملهما النظام البائد أيما إهمال، وعلى الرغم من ادعاء كل مُرشحى الرئاسة وقت الانتخابات أنهما سيكونان محل الاهتمام الأول حال فوزهم، لم يتغير شىء حتى الآن.. النظام لم يتغير بدليل أنه لم تُقدم حتى الآن فكرة واحدة جديدة وجريئة لتغيير ما استقر من سياسات روتينية وبيروقراطية عفِنة لم نجن من ورائها إلا الخراب، بل إن الأفكار الرائعة التى تصدر من عقول واعية لاتحظى بأى اهتمام، كما كان يحدث فى السابق، وكمثال على ذلك تلك الفكرة الجريئة للمهندس النابه المحترم د. إبراهيم محلب الرئيس السابق للمقاولون العرب التى دعا فيها إلى إنشاء وزارة متخصصة للتعليم الفنى بكل فروعه تفتح أبواب تغيير جوهرى فى المجتمع المصرى نحن فى أمس الحاجة إليه، وأرى أنها أهم من وزارة التعليم العالى التى يمكن إلغاؤها ليكون المجلس الأعلى للجامعات بديلا عنها.. كذلك لم يتم حتى الآن اقتحام قضية التأمين الصحى الاجتماعى الشامل بالجدية المطلوبة والنية الصادقة والأفكار الجريئة لتمويله وهو الحل الأمثل لما تعانيه الخدمة الطبية فى مصر من تدهور وانحطاط.. العديد من الآراء والأفكار الجريئة فى المجالات الاقتصادية مثل تعديل النظام الضرائبى بفرض ضرائب تصاعدية كما تفعل كل الدول المحترمة والحد من سياسات تدليل رجال الأعمال «يستوى فى ذلك من هم بذقون أو بدونها» وغيرها من الأفكار الثورية «بمعنى إحداثها تغييراً جذرياً فى منظومة السكون والترهل والخراب التى تركها النظام السابق» لم تلق حتى الآن اهتماماً حقيقياً بعد أن صب النظام الحالى جُل اهتمامه على استبدال أفراد بأفراد غيرهم يسيرون على نفس السياسات المُهترئة وإن كانوا أقدر منهم فى بيع معسول الكلام واستغلال المشاعر الدينية لدى العامة من الناس والترويج لأفكار سلفية وأوهام إخوانية! د. مرسى صدقنى الشعب مازال يهتف فى أعماقه «الشعب يريد إسقاط النظام»، وما كتبت هذا إلا لأنى أتمنى ألا يسقط أو يفشل نظام أول رئيس مدنى مُنتخب عن حق وله كل الشرعية فى أن يوجه بتغيير السياسات وليس فقط الأفراد. نقلاً عن المصرى اليوم