ندوات شعرية عديدة شاركت فيها خلال شهر رمضان لكوني شاعر عامية ،وفي كل ندوة كنت أفاجئ الحضور الكريم بعبارة هي"25 يناير مجاش والظاهر مش هييجي"،وهي عبارة أثارت حفيظة البعض ،وحازت على استحسان الكثيرين،ومع انتهائي من إلقاء القصيدة كنت أقرأ في عيون الجميع تقريباً تصديقهم على صحة العبارة التي أسبق بها القصيدة. ماذا لو صدقنا بأن 25 يناير وصل وشمر أكمامه وكشف عن ساعديه وراح يبني هنا ويصلح هناك ويهدم ما يجب هدمه،لنسلم بأنه جاء وملأ الأرض ولم تقع العين على سواه،هل من نتيجة لحضوره تذكر غير خلع مبارك؟! وأي خلع هذا الذي لا يزيد عن تغيير محل الإقامة؟! رجل هو سجين ولكن يعيش حسب ما يتمنى ولا علاقة له بحياة المساجين،حتى إذا سلمنا بأن رأس النظام قد تم قطعه فتلك مغالطة إذ أن هناك ألف نسخة من حسني مبارك بل الآلاف وجميعها رؤوس لا ينقصها غير القطع،لقد ترك مبارك عفريتاً في كل خرابة وربما أكثر من عفريت في الخرابة الواحدة،وهل خلع مبارك يقتضي كل الدماء التي أريقت والأرواح التي أذهقت والعاهات التي سكنت أجساد شباب مصري في مقتبل العمر؟،لو أن إصلاح البلاد يتم على هذه الوتيرة وبنفس نسبة الخسائر فإنه أمامنا مئات السنين وربما يفنى الشباب المصري ورجال مصر وسيدات مصر وعندها لن يبقى غير العواجيز والأطفال الرضع ليرثوا مصر ويومها سوف يبحثون عن أناس يحكمونهم ويديرون لهم البلاد. هذا وإذا كان نظام مبارك يحمل أكثر من رأس فإن حكم الإخوان بدا وقد تأثر بنظرية تعدد الرؤوس لذا أجدني أقرأ تصريحاً للمتحدث باسم الرئيس فإذا بتصريح يباغتني على لسان البلتاجي وقبل أن أنتهي من تصريح البلتاجي يداهمني تصريح للكتاتني ،وقبل أن أغسل يدي من هذا التصريح يجرجرني من أهداب عيني تصريح للدكتور البرنس وهكذا صفعة من هنا ولطمة من هناك حتى أجدني أقارن بين هذه الوجوه والوجوه التي ادعت الثورة زوراً وبهتانا أنها خلعتها وألقت بها خارج الحلبة فأجد النتيجة في صالح المخلوعين. مصر بحاجة إلى 25 يناير جديد ربما ينجح في معالجة الانفلات الأمني خلال سنوات معدودة من وصوله،ومصر بحاجة إلى 25 يناير آخر للخلاص من الانفلات الأخلاقي ،ووضع مصر على بداية عقد زمني قد تنصلح الأمور عند آخره،ومصر بحاجة إلى 25 يناير آخر يعرف المصريون على يديه أنه كانت لهم أيام وسنوات سادوا فيها وكانت لهم كلمة مسموعة وحدود مصانة وأن بلادهم كانت مطاعة بين أخواتها لكونها الكبرى قولاً وفعلاً وأنها بهم ومنهم ولهم،نحن بحاجة إلى 25 يناير آخر نصبح على يديه مصريين ،فقط مصريين ،بدلاً من تفرقنا إلى شيع وأحزاب وطوائف ومذاهب وحركات وجماعات وائتلافات وتيارات ،25 يناير يغربلنا فلا يُبقي إلا على السمين ويتخلص من الغث،غربلة لنا إذ أصبح كل واحد منا حزباً مستقلاً تقريباً فصار في البلاد 80 مليون فصيلاً يدعي الواحد منها أنه السياسي الأوحد والأقدر على القيادة والتشريع والتنفيذ،لقد تركنا الثورة تلفظ أنفاسها على قارعة الطريق وتركنا الغربان والنسور والحدأة تنهش جسدها قبل أن تُسْلم روحها إلى بارئها،تركناها ورحنا نتشرذم ويُخَوَّن أحدنا الآخر ،مزق بعضنا ملابس البعض ووقفنا عراة "ملطاً" على قارعة الطريق فُُرْجَة بل جُرسة لخلق الله والثورة تخسر في كل لحظة بعضاً من دمها وبعضاً من لحمها،شُغِل الكثيرون منا بلحية الرئيس وبقصومات الرئيس وتراويح الرئيس،ولم يشغلوا أنفسهم ببرنامجه ولا بمعوقات برنامجه ،ولا حتى بما ينتظر البلاد من قضايا كالحدود والمياه والأموال المهربة والأيدي التي تعبث "بمفتاح النور"وبالنار التي هي"البوتاجاز والبنزين"،تركنا الأيدي التي تعبث بجسدنا ومن تحت ملابسنا ورحنا نصنع أبطالاً من وَهْم كتوفيق عكاشة ومحمد أبوحامد وبنت من هنا وأخرى من هناك،نال الواحد منهم كتابات عنه و له لو قدر الموضوع بخمسة مليمات لقدر ما كتب عن الواحد بملايين الجنيهات في وقت لا يساوي الواحد منهم سعراً يذكر في سوق الكانتو،واثق أنا من أنه لم يكتب عن جيفارا ولا عن نيلسون مانديلا ولا عن غاندي ولا عن عبدالناصر قدر ما كتب عن أناس ما كان لها أن تذكر حتى في صفحة الحوادث إذا ما وقع لها حادث مروع. أرى أنه لو صار العام كله 25 يناير أي صار لدينا 365يناير وربع يناير في العام وكلها ثورات،ربما نعجز عن مواجهة ما يتوجب علينا مواجهته،لذا ليس أمامنا غير أن يكون لدينا عام ميلادي كله 25 يناير وعام هجري كله 25 يناير وعام قبطي كله 25 يناير ولأن الضرورات تبيح المحظورات فإنه علينا القبول بإيران ومصالحتها والتودد إليها ليصبح لدينا عام فارسي وكله 25 يناير وجميعها ثورات أي لدينا أربع ثورات يومياً،ربما يومها تنجح هذه الثورات التي لا حصر لها بعد أن ضيعنا ثورة بكل هذه الثورات،ثورة 25 يناير من عام 2011. ألم أقل لكم أن 25 يناير مجاش والظاهر مش هييجي لأن كل اللي نحسبوه يناير يطلع أمشير؟!.