هل تذكر الفيلم الشهير "لص بغداد"؟ هذا اللص الفقير الطيب القلب الذى يجد قمقماَ على شاطئ البحر وحين يفتحه يخرج منه عفريت كبير أصلع الرأس يقرر قتل لص بغداد بعد أن أمضى فى القمقم ثلاثة آلاف عام، نذر فى الألف الأولى انه سيجعل من يخرجه من القمقم ملكاَ عظيماَ ثم نذر فى الألف الثانية أنه سيجعل من يخرجه أعنى أغنياء الأرض، لكنه من شدة حنقه نذر ان يميت من يخرجه فى الألف سنة الثالثة ميتة فظيعة كى ينتقم ممن تركوه ليعانى الحبس داخل القمقم على يد سليمان الحكيم. ربما تتذكر الآن كيف نجح اللص الصغير فى أن يعيد العفريت إلى القمقم بالحيلة فنجا من الموت ووعده العفريت بثلاثة امنيات يحققها له قبل أن يتركه عائداَ إلى عالم الجن. تعالى ننظر إلى ماحدث فى ثورة الخامس والعشرين من يناير من خلال تلك القصة، فالنظام الذى هو لص بغداد لكنه لم يكن فقيراَ ولا طيب القلب راح يفتح القمقم الذى أغلقه على العفريت الذى هو شعب مصر بالظلم والقهر فخرج العفريت من القمقم وخلع رأس اللص، ولأنه عفريت ليس مثل كل العفاريت بل هو عفريت طيب فهلوى يفهمها وهى طايرة وضع عينه فى وسط رأسه وقام بكسر رأس القمقم حتى لايخدعه اللص فيعيده اليه، ولأن اللص لايريد التوبة ظل يحاول اصلاح القمقم عله ينجح فى حبس العفريت من جديد!! الآن نحن فى مفترق طرق وعلى اللص أن يختار إما التوبة أو الإنصياع للعفريت الجبار الذى وعى الدرس ولن ينخدع مرة اخرى، وكفى ما ضاع من الوقت كان يمكن فيه للعفريت أى الشعب المصرى أن يغزوا فيه آفاق التقدم.. والمتابع للنقاش الدائر حول البدأ بالدستور أم بالانتخابات إذا أمعن التفكير سوف يجد أن القضية حقاَ ليست قضية دستور أو إنتخابات أيهما أولاَ ولكنها قضية إرادة ورغبة حقيقية فى التطهر والتطهير، وإذا كان الشعب غاضب من بطء المحاكمات فهذا أمر طبيعى لما عاناه هذا الشعب من قهر وظلم فأصبح لايثق فيما يسمع من وعود بل يرغب فى ان يرى مايتحقق من أهداف، وصحيح أن المظاهرات الفئوية تضر بالاقتصاد ولكن ألم يسال المسؤولون انفسهم لماذا يغضب هؤلاء الناس؟ لاحظ أن اسمهم مسؤولين، من ياترى؟ أليس من الشعب؟! هؤلاء المسؤولين كانوا دوماَ فى موقع المسؤولية ولم يسألهم أحد ولم يسألوا أنفسهم ماذا حققوا لهؤلاء المعتصمين، جاءت الثورة وذهب رأس النظام وبقى النظام بنفس نظامه وسطوته ورغبته فى البطش، وبنظرة سريعة سنجد أن نسبة من تغيروا فى اجهزة الدولة والاعلام والصحف القومية لاتتعدى الاثنين بالمائة، وقد كانوا هم النظام واهدابه فلماذا يقتنع الناس أن النظام قد سقط؟، ولماذا يفترض هؤلاء أنه يجب على الثوار ترك ميدان التحرير؟!! الآن يجب على المجلس العسكرى ولا أحد على ما أظن يشك فى رغبته الصادقة فى الإصلاح أن يدرك أن لا إصلاح حقيقى ولا تجاوب حقيقى من الشعب سوف يحدث قبل أن يشعر الناس أن هناك شيئاَ جوهرياَ قد تغير، والقائمة كبيرة ولكن تغيير الرؤوس ضرورة وعلى من يأتى مسؤولية والإصلاح، ليس بدعوى القضاء على الفساد ولكن بدعوى البناء والتشييد، تعانى الدولة من بطالة الشباب وتصر جميع المؤسسات على المد لبعض العاملين لما فوق الستين يحصلون على رواتب ضخمة يكفى راتب الواحد منهم منفردا عدد من الشباب حديثى التخرج، ثم يبقى عدد آخر بدعوى أنهم مستشارين برواتب خيالية، وإذا نظرنا لما أشاروا به تساءلنا، لو كانوا بهذه العبقرية لماذا فشلوا فى مهمتهم الأساسية وهى الإشارة على الدولة بالاصلاح؟ مصر فى حاجة إلى نظام جديد، شفاف، يحترم القانون ويطبقه فيحال الناس إلى التقاعد فى موعدهم الطبيعى بعد أن أدوا ما استطاعوا من أجل بلدهم واستحقوا الراحة والتكريم بعد العناء، ومصر أيضاَ فى حاجة ماسة إلى إعلام جديد، حر، مستقل، لايأتمر إلا بأمر الشعب، ولا يهتم إلا بصالح الشعب بلانفاق ولارياء لحاكم أو سلطان متخذا من الحقيقة هدفاَ وغاية بعيداَ عن الإختلاق والزيف وإثارة المشاعر... المزيد من مقالات أحمد محمود