يحتفل المسيحيون الشرقيون فى مصر والعالم بعد غد، الخميس، بعيد الميلاد المجيد، ثاني أهم الأعياد المسيحية بعد عيد القيامة، ويمثل هذا العيد ذكرى ميلاد يسوع المسيح، ورغم أن الكتاب المقدس لم يذكر تاريخ أو موعد ميلاد المسيح، إلا أن آباء الكنائس التي تتبع التقويم اليوليانى حددوا وقوعه عشية يوم 6 يناير ونهار يوم 7 يناير منذ مجمع نيقية فى عام 325، ودرج التقليد الكنسى منذ ذلك التاريخ على اعتباره فى منتصف الليل. ويعتبر عيد الميلاد جزءا وذروة "زمن الميلاد" الذي تتذكر فيه الكنائس المسيحية الأحداث السابقة واللاحقة لميلاد يسوع المسيح، كبشارة مريم وميلاد يوحنا المعمدان وختان يسوع، ويتنوت تاريخ تلك الأحداث بتنوع الثقافات المسيحية، غير أنه عادة ما ينتهى يوم 6 يناير بعيد الغطاس، وهو تذكار تعميد المسيحز وللاحتفال بعيد الميلاد مظاهر اجتماعية واحتفالات عديدة تتفق فيها الدول، وتختلف فى بعضها ولكنها جميعا تميز هذا الاحتفال، وأبرزها القداس الذي يعلن نهاية صوم الميلاد، وإقامة الاحتفالات فى جميع الكنائس الأرثوذكسية الشرقية عشية يوم العيد بمراسم دينية وصلوات وترانيم وأناشيد خاصة بهذه المناسبة. ويوم عيد الميلاد يوم عطلة رسمية فى مصر وأغلب دول العالم، وفيه تتزاور العائلات المسيحية وتتزين المنازل والكنائس والشوارع الرئيسية والساحات والأماكن العامة في المناطق التي تحتفل بالعيد بزينة خاصة يغلب عليها اللونان الأخضر والأحمر، وهما اللونان التقليديان للإشارة إلى عيد الميلاد، حيث يرمز اللون الأخضر ل"الحياة الأبدية"، فيما يرمز اللون الأحمر لعيسى نفسه. وعشاء عيد الميلاد الذي يتناوله المسيحيون في ليلة العيد أو فى مأدبة غداء يومه، يعد جزءا مهما من الاحتفال به، وتختلف أصناف الطعام المقدمة فى تلك المأدبة من بلد لآخر باختلاف الثقافات، حيث لا يوجد طبق خاص يقدم فى هذه المناسبة، وتتنوع الأطعمة ما بين اللحوم والأسماك. ومعجزة الميلاد المجيد آمن بها المسلمون والمسيحيون الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان تصل إلى حوالى نصف تعداد العالم، آمنوا جميعا بمعجزة ولادته من عذراء لم تتزوج كانت نموذجا للفتاة المؤمنة القديسة الطاهرة، وبالرغم من محاولات التزوير والتدليس والتشويه والإضافة، إلا أن الكتاب المقدس يحتوى جميع الأدلة والبراهين على نبوة عيسى وعبوديته لله، وإقراره المباشر بأنه رسول الله ونبيه. وإذا كان الإيمان بالله هو أبرز القواسم المشتركة التى تربط بين المسلمين والمسيحيين، فإن معجزة الميلاد تعد واحدة من تلك القواسم التى تشتمل على إبراز الوجه الحضارى لرسالة الأديان وإرساء قيم الحب والعدل والتسامح والدعوة لى نشر السلام وحرية العقيدة فى ظل الاحترام المتبادل بين أصحاب الديانات المختلفة. وفى مناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، يفرض الواجب الروحى والأخلاقى على الجميع مهما اختلفت دياناتهم التقارب والتكاتف من أجل بناء عالم أفضل لغد قريب، وعقلنة النزاعات الناشئة لتثبيت الهويات الثقافية للحضارات، فالحوار بين الثقافات لا يشترط وجود تطابق تام فى وجهات النظر فى كل مراحله وأطواره، لأن تعدد الآراء وتنوعها وتباين التصورات واختلال المواقف، كلها عناصر تثرى الحضارة الإنسانية وتحقق التكامل بين البشر، وتخلق مساحة مشتركة للتعاون والتواصل بينهم. لن تتطور الحضارة البشرية إلا باحترام تعدد الحضارات والثقافات، فهي الداعم لوحدة العالم شرقا وغربا، والحوار بين الحضارات يسهم فى إرساء الثقافة الإنسانية واستجابتها للتطور والتفاعل فيما بينها، ومقتضيات الأحداث الجارية حاليا على الساحة العالمية تؤكد حتمية إجراء حوار حقيقى بين الشرق بأغلبيته المسلمة والغرب بتنوع عقائده، حوار يستهدف تعميق التفاهم المتبادل، وخلق مساحة مشتركة بينهما تكون قادرة على العبور لمفهوم حقيقى وصحيح للتواصل الحضارى بين الجانبين. عدم تجاهل التميز بين الحضارات والترحيب بالتأثيرات الحضارية الأخرى يستلزم خروج الجميع شرقا وغربا، مسيحيين ومسلمين من القراءات النمطية فى نظرته إلى الآخر، وعدم اختزال مفاهيمه فى سياسات لا تنسجم مع التطورات الحديثة، والخروج من قوالب محددة ورتيبة لخلق روافد للحوار بين العالمين الغربى والإسلامى على أساس الاحترام المتبادل.