أثناء الإعداد لدراسة مهمة عن أسباب مقاطعة الناخبين الجولة الأولى للتصويت في انتخابات مجلس النواب، تهكم أحد زملائي بقوله "يابني أنت في أيه والناس في أيه".. فقلت له هو في حاجة أهم من الانتخابات البرلمانية، فرد سريعا "أنت مغيب.. انتخابات أيه.. الناس مشغولة بموضوع المذيعة ريهام سعيد والبنت بتاعة التحرش". وباندهاش تابعت الأزمة مجبرا، فإن هربت من "فيس بوك" أجد الخبر على المواقع الإخبارية، وبصرف النظر عن الجرم الذي ارتكبته المذيعة التي نالت عقابا تستحقه من المجتمع الذي انتفض ضدها حتى تم تجميدها عن العمل لحين إشعار آخر.. أتساءل هل ريهام سعيد وحدها من يستحق الركل من شاشات القنوات الفضائية المصرية؟ الإجابة على لسان عدد كبير من المصريين الذين سئموا عددا من الوجوة القبيحة التي ترتكب جرائم لا تقل عما اقترفته ريهام سعيد.
مع كل التقدير للمذيعين الشرفاء وهم كثر، وللمهنة العريقة التي أنجبت عباقرة مصريين كنا نتباهي بهم في وقت كانت فيه مصر درة العرب في الفن والأدب.. لكن ما نشهده الآن في الوسط الإعلامي هو ترجمة حقيقية لما نعيشه من واقع اجتماعي مؤسف وانهيار خطير في الأخلاق. تحول الإعلام إلى سلعة رخيصة فيما يقدمه من مثل وقيم ومبادئ، بينما سلعة رائجة جدا في عرض العري والدجل والخرافات وهو نهج بعض البرامج الذي صعد بعدد من المذيعين المغمورين إلى النخبة، بينما انتهج آخرون أسلوب افتعال الأزمات والمشاكل مع المسئولين لينصب نفسه أيقونه في الشجاعة، وهو في الحقيقة لا يهدف إلى حل أية مشكلة لكن غرضه هو الإثارة وجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين ومن ثم جذب الإعلانات، لتنتفخ جيوبه بالملايين وتنتعش خزينة القناة.
الإعلام مهنة ضمير وأخلاق وشرف ونزاهة وحياد وعندما يسيطر عليها رأس المال فلا عزاء للشرفاء ومن يتمسكون بالحق.. من دون شك أن هؤلاء القادمون من كوكب آخر وفقا لتوجهات المرحلة الراهنة سوف يتقلبون على جمر الظلم لكنه لا يفت في عضد من يتقي الله مهما واجه من صعوبات أو مكائد.
واتساءل.. كم مذيع تاجر بقضايا الوطن ولعب على وتر مشاعر البسطاء وحرض على فتن وكان محركا لإثارة فوضى؟، كم مذيع باع ضميره من أجل حفنة من الدولارات؟، كم مذيع خاض في الأعراض وشكك في الذمم، واتهم أبرياء وكال لهم الاتهامات دون سند أو دليل؟، كم مذيع ساهم في قتل إنسان معنويا بكلماته الظالمة الجارحة التي لم يراع الله فيها؟، كم مذيع تحول لبوق إلى رجل أعمال أو مسؤول مقابل الحصول على مبالغ مالية أو منصب مرموق؟، كم مذيع استبدل الحق بالباطل من أجل إما غرض أو هدف شخصي أو تنفيذ لأجندات وتوجهات للقناة التي يعمل بها أو امتثالا لمنظومة الفساد التي ترعرع فيها؟.
ريهام سعيد ليست وحدها التي تستحق أن تغادر موقعها من أمام الشاشة غير مأسوف عليها.. هناك آخرون يستحقون عقابا أشد بأفعالهم التي ستظل وصمة عار في جبين الإعلام المصري .