هناك اقتراح فى مجلس الشعب بتعديل قانون الأزهر، على أن تحذف منه الفقرة التى تجعل من الأزهر المرجعية فى الشأن الإسلامى، وقد استقبل هذا الاقتراح بغضب من قطاعات واسعة فى الرأى العام، الاقتراح مقدم من أحد النواب السلفيين. نعرف جميعاً، أن بعض الجماعات السلفية والأصولية تحمل عداء للأزهر، وذلك لأنه يمثل المدرسة الوسطية فى الإسلام، وكان تاريخياً يقف بالمرصاد لحالات التشدد والتطرف من أفراد أو مجموعات، وفى القرن العشرين وقف الأزهر بشدة ضد تيارات وجماعات التشدد، وأخشى أن تكون هناك رغبة فى الثأر والانتقام من الأزهر بسبب مواقفه السابقة، ذلك أن البرلمانى- والبرلمان- يجب أن يترفع عن الثأر وعن استغلال قبة البرلمان ومنصة التشريع لأهداف ورؤى أيديولوجية ضيقة، ورحم الله الفقيه القانونى د. السنهورى، الذى حذر مبكراً من التعسف فى استعمال السلطة التشريعية، وقد عانت مصر كلها من برلمان موافقون، على مدى عقود، ولا يجب، كما أنه ليس من اللائق أن يحدث شىء من ذلك بعد ثورة يناير المجيدة. هذا الاقتراح قد يحقق هدفاً مباشراً لفئة معينة تصدى لها الأزهر فى مواقفها من قضايا مثل ختان الإناث، وزواج القاصرات، لكن على المستوى البعيد فإن الأمر قد يفتح الباب أمام ظهور جماعات جديدة، ربما تعبث بقيم ومعنى الإسلام ذاته، وهذا ما حدث فى الهند عندما ظهرت الديانة الأحمدية، أو القاديانية، ماذا لو ظهرت عندنا طائفة أو مجموعة يرهقها صيام رمضان أو الصلوات الخمس يومياً ورأت أن تخفضها إلى ثلاث - مثلاً - ومع غياب مرجعية الأزهر، نكون بإزاء فتنة داخلية ويحدث صدام وعنف بين أبناء المجتمع، لا يدرك بعض الوهابيين المصريين خطورة الأمر. هذا الاقتراح يعكس حالة بدأت تنتشر، يمكن أن نسميها اغتيال المؤسسات، عرفت مصر من قبل اغتيال الأفراد لأسباب وطنية، كما حدث أثناء ثورة 1919، والنضال ضد الاحتلال البريطانى، أو لأسباب عقائدية كما فعل التنظيم الخاص بالإخوان المسلمين مع المستشار الخازندار والنقراشى وعبدالناصر وسيد فايز، ومن فضائل ثورة يناير أنها رفعت شعار «سلمية.. سلمية»، ورفضت العنف والقتل، ومازلت عند رأيى أن الذى عجل بسقوط حسنى مبارك قيام جهاز الأمن بقتل المتظاهرين، فدماء الشهداء هى التى حركت قوى الشعب للنزول إلى الميادين بكلمة واحدة «ارحل»، بعد الثورة فوجئنا بظاهرة غريبة، لم تعرفها ثورات مصر السابقة، وهي محاولة اغتيال بعض المؤسسات، بدعوى أنها كانت مؤسسات النظام السابق، ومن المفهوم أن يتصدى أفراد أو مجموعات لنظام سياسى وأن يعملوا على إسقاطه، لكن أن نتوقع ذلك من مؤسسات الدولة، فهو أمر غريب، حتى لو فعلت المؤسسات ذلك فإنها تكون بصدد القيام بانقلاب على النظام، والانقلاب غير الثورة تماماً. ومن المفهوم كذلك، أنه فى ظل ثورة يكون مطلوباً إزاحة قيادة ما فى مؤسسة أو قيادات بعض المؤسسات، وهذا يختلف أيضاً عن التدخل والتعسف فى بناء مؤسسة ما والتشريعات التى تحكمها وفلسفة عملها، دون دراسة حقيقية وبلا نقاش جاد والتوصل إلى موقف ورؤية عامة يلتقى عندها معظم الفرقاء. والحمدلله أن بعض الذين اعتنقوا أفكار العنف واغتيال الخصوم قاموا بمراجعة أفكارهم وسلوكهم، يحسب ذلك لهم وللمجتمع المصرى الذى دفعت حركته الجميع إلى رفض الاغتيال وإدانته، لكن أخشى القول بأن يكون بعض هؤلاء استبدل اغتيال المؤسسات باغتيال الأفراد، والنموذج البين هو ما يحدث بالنسبة للأزهر الشريف، المؤسسة الأقدم فى مصر. فى بعض لحظات الاحتجاج والغضب اندفع البلطجية وبعض الغوغاء نحو المؤسسات لإحراقها وتدميرها، شاهدنا ذلك فى المجمع العلمى المصرى، المؤسسة الأقدم فى مصر الحديثة، وفارق كبير بين سلوك بعض البلطجية وسلوك أفراد أو قوى سياسية نحو اغتيال منظم لدور بعض المؤسسات واستخدام البرلمان أو بعض لجانه فى ذلك. اغتيال المؤسسات يعنى اغتيال الدولة، فلا دولة دون مؤسسات، وإسقاط النظام أمر يكون ضرورياً فى بعض اللحظات التاريخية لذا تقوم الثورات، أما إسقاط الدولة فهو الفوضى. نقلا عن المصرى اليوم