قال الله تعالى فى محكم كتابه العزيز: «وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا»، سورة الإسراء: آية 97. قال الإمام محمد متولي الشعراوي فى تفسيره للآية الكريمة: إن الحكمة من إتيان الاهتداء بأسلوب صيغة المفرد لأن للاهتداء سبيل واحد لا غير وهو منهج الله تعالى وصراطه المستقيم فللهداية طريق واحد، أما في الضلال فجاء بأسلوب صيغة الجمع فى قوله: «فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ»، لأن طرق الضلال متعددة ومناهجه مختلفة، فللضلال ألف طريق والنبي -صلى الله عليه وسلم- حينما قرأ هذه الآية خط للصحابة خطاً مستقيماً وخط حوله خطوطاً مُتعرجة ثم أشار إلى الخط المستقيم وقال: «هذا ما أنا عليه وأصحابي». وأوضح الشعراوي أن قوله تعالى: «أَوْلِيَآءَ مِن دُونِه»، أي نُصراء ومعاونين ومُعينين من بعده، وقوله: «وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ»، والحشر هو القيام من القبر والجمع للحساب، وهنا تعجب بعض الصحابة فسألوا رسول الله وكيف يسير الإنسان على وجهه؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يُمشيهم على وجوههم»، لأن المسألة إرادة الله تعالى ليُوقع بهم غاية الذل والهوان. "وبين أن المراد من قوله: «عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا»، هو استطراق لوسائل الإهانة ففضلاً عن مشيهم على الوجوه فهم عُمي لا يرون شيئاً ولا يهتدون وهم صُم لا يسمعون نداءً وهم بُكم لا يقدرون على الكلام، ولك أن تتصور إنساناً جمعت عليه كل هذه الوسائل ليس في يوم عادي بل في يوم البعث والنشور فإذا به يُفاجأ بهول البعث وقد سُدت عليه جميع منافذ الإدراك فهو في قلب هذا الهَول والضجيج ولكنه حائر لا يدري شيئاً ولا يدرك ما يحدث من حوله. ولفت أن الحكمة أنه قد ورد في القرآن كثيراً قوله "صُمٌّ بُكْم" بهذا الترتيب لكن في هذه الآية جاء البكَم أولاً، فلماذا؟، لأنه ساعة يُفاجأ بهول البعث والحشر، وكان المفروض أن يسأل أولاً عما يحدث ثم يسمع بعد ذلك إجابة على ما هو فيه لكنه فُوجئ بالبعث وأهواله ولم يستطع حتى الاستفسار عما حوله ولهذا سبق البكم الصمم في هذا الموقف. وأشار إمام الدعاة إلى أن الله تعالى ختم الآية بقوله: «مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً»، لبيان مصيرهم ونهايتهم نار جهنم و"خَبَتْ" أي: ضعفت أو انطفأت لكن ما دام المراد من النار التعذيب، فلماذا تخبو النار أو تنطفئ؟ أليس في ذلك راحة لهم من العذاب؟ فالمتأمل في الآية يجد أن خفوت النار وانطفاءها هو في حد ذاته لون من العذاب لأن استدامة الشيء يُوطن صاحبه عليه واستدامة العذاب واستمراره يجعلهم في إلف له، فإن خبت النار أو هدأت فترة فإنهم سيظنون أن المسألة انتهت ثم يُفاجئهم العذاب من جديد فهذا أنكى لهم وآلم في تعذيبهم .