"قناة مصر، هي الحلم الكامن في أعماق أم الدنيا منذ آلاف السنين، والحقيقة الجغرافية الفاصلة في توازنات التاريخ، إنها عجيبة الزمان التي تقص وتروي قصة كفاح أعرق شعوب الأرض وأعظمها، فمع بزوغ فجر التاريخ في العام 1874 ق.م تحقق الحلم الأول لسنوسرت الثالث الذي شق بالفعل أول قناة تربط قارتي العالم القديم عبر النيل، فوضع حجر الأساس لأول قناة صناعية في تاريخ الإنسان، ومع تراكم الأيام تسلطت الرياح وكمن الحلم تحت التراب، ولكنه استيقظ من جديد بعد خمسة قرون وتحديدا في العام 1310 ق.م بأمر من الفرعون سيتي الأول خليفة رمسيس الكبير، فأعاد الحياة للشريان المائي وتصافح البحران عبر النهر، ومع مطلع العام 610 ق.م كان الشريان قد أهمل فخرج إلى مسرح التاريخ أبرز ملوك الأسرة السادسة والعشرين الملك نخاو الذي أزال آثار السنين وأعاد المياه إلى القناة، دافعا بمصر إلى الأمام". ولضمان هيمنة السيادة الفارسية على مصر والعالم، شرع داريوس الكبير عام 510 ق.م في إعادة حفر القناة وربط البحيرات المرة بالبحر الأحمر". وما إن تسيّدت قواته علي العالم حتي دخل إلى مصر وصار ابنا لآمون، إنه الإسكندر الأكبر الذي أراد نقل قواته المتدفقة من المتوسط إلى شواطئ البحر الأحمر كي تثبيتا لإمبراطوريته الممتدة إلى الهند، فأشرف بنفسه على التخطيطات الهندسية للقناة القديمة، إلا أن بموته المفاجئ ارتبكت الأمور وتوقف العمل إلى أن جلس على عرش مصر الابن الأكبر لأبرع قواد الإسكندر بطليموس ڤيلادلڤيوس فاستكمل المشروع وأعاد للحلم الحياة". وحين تربع الإمبراطور تراجان على عرش الامبراطورية الرومانية أعاد الملاحة للقناة وشق فرعا جديدا ربطه هو الآخر بالبحيرات المرة فانتعشت الملاحة وتجذرت السيادة الرومانية علي العالم يوم أن كانت مصر هي سلة غذائها". وبعد سنوات من الإهمال البيزنطي، دخلت القوات العربية إلى أرض النيل وأراد عمرو بن العاص توطيد الاتصال مع كرسي الخلافة في الجزيرة العربية فأعاد حفر قناة أمير المؤمنين من الفسطاط إلى السويس، فاستمرت لأكثر من مائة عام، حتي أمر الخليفة أبو جعفر المنصور بردمها كخطوة حاسمة في رحلة الصراع مع أهالي مكة والمدينة الثائرين علي الحكم العباسي فتوقف التواصل بين القارتي العجوز، وكُتبت كلمات النهاية للقناة القديمة التي مكثت بعدها في الظلام لألف عام. " وقبل أن يسدل الستار علي القرن الخامس عشر كان قد كلّف من قبل ملك البرتغال مانويل الأول بمتابعة استكشاف الطريق البحرية حول أفريقيا، فأبحر فاسكو دجاما ليفتح طريق رأس الرجاء الصالح ضاربا طريق القوافل البرية في مصر وطريق الحرير في آسيا. "فشعرت البندقية بخطورة الموقف وانطلق وفدا رفيعا إلى السلطان الغوري ليحثه على ضرورة إعادة حفر القناة إذ قد بات أمرا فاصلة في توازنات التاريخ، ولكن القدر كان قد قال كلماته الأخيرة في مصير ... مصر المملوكية ". " وبعد أن وضع رأس الرجاء الصالح في قبضة بريطانية العظمي قررت فرنسا في هذا العام أن تغزو مصر بأجندة استعمارية كان علي رأسها شق قناة تربط البحرين، فوصلها نابليون بونابرت بجيوشه وعزم علي تنفيذ الأمر فانطلق إلي برزخ السويس وهناك قدمت إليه لجنة الفرنسي لوبيير دراسات خاطئة توكد عدم إمكانية التنفيذ لاختلاف المنسوب بين البحرين، خرج بعدها نابليون متخفيا من مصر وانسحبت قواته بعد حصار بريطاني عثماني ". " وبعد ثلاثة عقود كان قد تغير وجه مصر وجلس علي عرشها صانع النهضة الحديثة " محمد علي باشا " الذي استقبل وفدا اشتراكيا فرنسيا يحمل دراسة هندسية دقيقة لشق القناة ومدعوما من نائب القنصل الفرنسي " فردناند ديلسبس" ابن الدبلوماسي المخضرم ماثيو دليسبس صاحب الدور البارز في تذكية محمد علي يوم أن جلس علي عرش مصر، فتم رفض المشروع وقرر ولي النعم إنشاء القناطر الخيرية كبديل كان هو الأفضل". "وفي عام 1840 تم تصفية محمد علي معنويا في تسوية لندن فقام أحد موظفي الحكومة المصرية الفرنسي لينان دي بلفون بعمل دراسة هندسية أخرى أكدت إمكانية الحفر وفي 15 أبريل 1846 أنشأ السان سيمونيون بباريس جمعية لدراسات قناة السويس وأصدر المهندس الفرنسى بولان تالابو تقريرا في أواخر العام التالي أكد فيه إمكانية الحفر. "ثم اعتلي سعيد باشا عرش مصر وتحت نير الولاء لمعلمه ورفيق أيام طفولته فرديناند ديليسبس أصدر فرمانا بعقد الامتياز الأول، فانتفض العملاق البريطاني وتوجس الخطر من ديليسبس الذي أخذ يسابق الزمن وانطلق في العاشر من يناير عام 1855 بصحبة الفرنسي لينان دي بلفون الي برزخ السويس ، بعدها شكل لجنة هندسية دولية أصدرت في نهاية العام الكلمة الأخيرة لبدء الحفر . "وضربت الفأس الأولي بيد ديليسبس نفسه في احتفال متواضع كان في الخامس والعشرين من أبريل عام 1859م ، وبدأ العرق المصري يتساقط فوق التراب، إلا أن بريطانيا والدولة العثمانية عارضا الأمر بشدة فتوقف الحفر وكاد أن يموت الأمر إلا أن تدخُّل الإمبراطورة اوجيني لدى الآستانة كان له يد الحسم فاستكمل الحفر قبل أن ينقضي العام بأيام قليلة. وأخذ المصري يحفر بدمائه علي مدار عقد كامل صفحات من المجد لن ينساها التاريخ، فقد كافح الشمس والمرض وواجه القهر بثبات منقطع النظير، ويوم بعد يوم أخذ الشريان المائي يتقدم ليسطر ويروي قصة دماء .. ودموع " ثم جلس الخديوي اسماعيل علي عرش النيل فاخذ التاريخ ُيسرع نحو الفأس الأخير ، والتي ضُربت في الخامس عشر من اغسطس عام 1869 لتعلن ميلاد اول قناة صناعية في تاريخ البشر ولتعلن ان مصر قد شيدت الهرم الثاني في تاريخها الحديث ، عشر سنوات كاملة شهدت 74 مليون متر مكعب من الرمال ُرفعت بسواعد اكثر من مليون مصري ودماء اكثر من 100 ألفا من اولاد النيل ، وتتويجا لهذا العمل الفذ انطلقت الاحتفالات الأسطورية التي أبهرت التاريخ في السادس عشر من نوفمبر عام 1869 بحضور عظماء وملوك العالم 15/ " شاشة 12 يوليو 1882 " . " وفي يوليو من العام 1882 توحشت الرغبة البريطانية لاحتلال مصر والسيطرة علي القناة فقام الأسطول الملكي بقذف عروس المتوسط ، وقد ناضل القائد احمد عرابي كي يمنع هذا الكابوس فقترح علي ديليسبس ان يردم القناة كي يمنع توغل الأسطول الانجليزي الا ان الأخير كان قد سمح لهم باقتحام القناة فأحدث الفارق الحاسم وسقطت مصر في أيديهم وسقط عرابي أسيرا في التل الكبير ُونفي بعد ان احدث الحراك القومي ووقف بشموخ في وجه أعتي القوي العالمية من اجل حرية وكرامة مصر .
ثم اندلعت ثاني اكبر جريمة عرفها الانسان.. الحرب العالمية الأولي فتحولت منطقة القناة الي ساحة قتال بين بريطانية وأعدائها " ، " وفي مطلع مايو من عام 1936 جرت انتخابات فاز بها حزب الوفد فانطلق بعدها النحاس باشا في مفاوضات مرهقة وكانت معاهدة 36 التي رسخت للاستقلال النسبي عن بريطانية وتم تحديد التواجد العسكري للاسطول الملكي في القناة ."
وبعد ثلاث سنوات كانت البشرية علي موعد مع اكبر جريمة عرفها الانسان .. الحرب العالمية الثانية .. التي حصدت اكثر من 70 مليونا من البشر ، فتبخرت كل بنود المعاهدة وانتشرت القوات الانجليزية بكثافة في كل مصر كي تصد الاجتياح النازي الذي كان علي أبوابها الغربية . "وفي صباح الثالث والعشرون من يوليو عام 1952 كان التاريخ يكتب كلماته الاخيرة في حياة الاسرة العلوية التي حكمت مصر لمائة وخمسين عاما، فقد قامت ثورة الشعب التي انحاذ اليها الجيش فاتحا عهد الجمهورية الوليدة ، ومن قصر راس التين خرج فاروق الاول تاركا ارض النيل الي الأبد واغلق بيده صفحات المجد الغابر التي ناضل من اجلها مؤسس مصر الحديثة ، وبعد عامين استطاعت مصر ان ُتوقع اتفاقية جلاء القوات البريطانية في حيّز تنفيذي لا يتعدي العشرين شهرا ، وعليه كان الثامن عشر من يونيو عام 1956 هو اليوم الذي خرج فيه اخر جندي إنجليزي من ارضها ليتحقق حلم القائد احمد عرابي بعد سبعين عاما .
" وفي السادس والعشرون من يوليو عام 1956 شهد ميدان المنشية في الاسكندرية يوما مشهودا ًُُ حفر في ذاكرة الأمة المصرية حسن وقف عبد الناصر وبقلب الأسد أعلن تأميم قناة السويس .
" فشُن هجوما حربيا واسعا علي القناة وأرض الفيروز قادته بريطانية وفرنسا وكذلك اسرائيل ، وحينها بُعثت روح جيش عرابي من جديد وناضل الجندي المصري في بسالة متناهية النظير ، حتي قام الاتحاد السوفيتي بالتهديد النووي الصريح لبريطانية وفرنسا وعليه تغير الوضع الدولي واجبر التحالف الثلاثي علي الانسحاب ، فصار هذا نصرا سياسيا كبيرا لام الدنيا ."
ثم اغلقت القناة لثماني سنوات بعد ان دخلت مصر في حربا استنزافية طويلة الامد مع اسرائيل التي استولت علي أراضي سيناء ، كانت التضحيات كبيرة والكفاح مريرا ، الي ان اجتمعت الإرادة المصرية وبعثت روح المقاتل القديم وبعد ان حفرها الاجداد وقف الأحفاد علي ضفافها في انتظار ان يتوقف التاريخ عند لحظة العبور المجيد ..... ومع الدقائق الاولي للساعة الثانية ظهرا صرخت مصر من أعماقها " الله أكبر " وبدأت ريشة التاريخ ترسم الملامح الاولي لوجه ام الدنيا المنتصر . " فكانت القناة هي الجسر المائي الذي عبر بالأمة المصرية الي مستقبل الحرية والكرامة الانسانية . وفي 5 يونيو 1975 أراد السادات ان يمحو ذاكرة النكسة فتحرك في موكب رئاسي مهيب وذهب الي مبني هيئة قناة السويس ثم أعلن امام العالم عودة الحياة لشريان مصر الخالد ، ومن المدمرة 6 أكتوبر أعلن فتح القناة
+ ( شاشة 5 اغسطس 2014). " وفي صباح الخامس من اغسطس عام 2014 هذا اليوم الفريد ، انطلق.. احمس العصر .. رئيس مصر .. عبد الفتاح السيسي الي موقع القناة وأعلن امام العالم ان المصريين علي وشك ان يحفروا بدمائهم القناة الجديدة لتكون موازية للشريان المائي القديم بطول 35 كم مع توسيع وتعميق تفريعات البحيرات المرة والبلاح ليصبح الطول الاجمالي 72كم مما سيضاعف من القدرة الاستيعابية لحجم الملاحة ويحقق قفزة نوعية كبيرة علي المستوي الاقتصادي وسوف يامن الريادة العالمية للقناة ويرفع من شان ومستقبل الأجيال القادمة .
وعلي مدار العام استيقظ صانع عجائب الدنيا الذي اذهل التاريخ ، واليوم تتسربل مصر برداء العزة والكرامة لتحتفل بهذا الإعجاز الفذ الذي شق الدرب المنيّر ليضيء و يرسم ملامح مصر المستقبل ." .