رصدت مجلة الإيكونوميست البريطانية تهافت شركات الصلب الصينية على شراء مناجم الحديد الخام في أفريقيا رغم كساد سوقه. ونوهت -في تقرير على موقعها الإلكتروني- عن شراء مجموعة "شاندونج للحديد والصلب"، التي تمتلكها دولة الصين، ثاني أكبر ثاني منجم حديد خام في أفريقيا والواقع في مقاطعة "تونكوليلي" بسيراليون، كذلك استيلاء مجموعة "حيبي للحديد والصلب" الصينية على شركة "دوفيركو" السويسرية للصلب الواقعة في جنوب أفريقيا. ورصدت المجلة ارتياب بعض المراقبين من دوافع شركات الصلب الصينية للتهافت على الاستثمار في سوق كاسدة .. وقالت إن البعض يرى أن الصين تبدو كما لو كانت تصدر عوامل التلوث الداخلي إلى الخارج، في إطار سعي المسؤولين الحثيث إلى إغلاق مصانع الصلب المحلية المسببة للتلوث. فيما يرى آخرون أنها بإغرائها شركات الحديد والصلب على الاستثمار في أفريقيا فإن الصين تضرب عصفورين بحجر واحد: فهي تستجيب للمخاوف من التلوث البيئي محليا من جهة، وتستجيب للطموحات الجيوسياسية بالاستثمار في القارة السمراء من جهة أخرى. لكن الكثيرين يتساءلون عن المنطق الاقتصادي وراء التحرك الصيني، لا سيما وأن الصين تنتج بالفعل كميات ضخمة جدا من الصلب، فهي تنتج من الصلب الخام سنويا نفس المقدار الذي تنتجه باقي دول العالم أجمع، إذ أنتجت الصين 822 مليون طن عام 2014.. أضف إلى ذلك أن الصلب الصيني يعاني الآن أدنى سعر له على مدى أكثر من عشر سنوات، ومعظم الشركات المنتجة للصلب تتكبد خسائر، وعليه فإنه كان جديرا بالصين أن تقلص أعمال قطاع الصلب بدلا من التوسع فيه خارجيا. وطرحت الإيكونوميست تفسيرا آخر رأته الأرجح، وهو أن الشركات الصينية تتبع نظرة أطول مدى إزاء إمكانيات القارة السمراء، في ظل التوقعات أن يسجل الطلب على الصلب الأفريقي معدل 3 ملايين طن سنويا بحلول عام 2050. والصين عندما تؤمن مصدرا أفريقيا للحديد الخام والصلب الأساسي، فإنها بذلك تضمن معروضا أكثر استقرار، لا سيما وأن المستهلكين الصينيين استخدموا أكثر من نصف إنتاج العالم من الحديد الخام عام 2013. وقد تعلمت الصين الدرس جيدا من تجربة عام 2010 عندما رفعت استراليا أسعار الحديد الخام علما بأن الصين تعتمد كثيرا عليها كمورد أساسي. ليست هذه هي كافة الأسباب التي تضطر الصين لاتباع النظرة البعيدة في عالم التعدين الأفريقي؛ فالشركات الصينية تتبنى استراتيجية "إثبات الوجود" في ظل مستجدات المشهد الحالي في ظل عودة للشركات البريطانية والفرنسية التي لها جذور استعمارية في أفريقيا، ولما كانت الصين بلا جذور استعمارية في القارة السمراء، فإن عليها أن تثبت وجودها ومصداقيتها وحسن نواياها في المنطقة (أن تقدم السبت). ورأت المجلة أن الصينيين يعولون على أن يضمن لهم حسن سلوكهم إبان الأزمات موطئ قدم أفضل في المنطقة مستقبلا، حتى ولو تكبدوا خسائر مالية على المدى القصير.