المتأمل للعبادات التى افتراضها الله تعالى على عباده المسلمين تظهر له حقيقة هامة، وهى أن العبادات وإن اختلف صورها: (كالشهادتين، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحج) كلها تلتقى عند هدف واحد وهو بناء الإنسان بناءً إيمانيًا، يكون به العبد موضع رضا الله عزَّ وجلَّ. ولكل عبادة دورٌ مؤثر فى تحقيق البناء الإيمانى للإنسان: - فنجد الشهادتين تبنيان العقيدة وتربيان الإخلاص لله تعالى ليخرج الإنسان عن حظوظ نفسه والركون إلى الخلق إلى الاعتماد على الخالق والتوكل عليه. - وتأتى الصلاة لتصل العبد بربه وتحقق له الطمأنينة وتنهاه عن الفحشاء والمنكر. - وتأتى الزكاة لتخلص العبد من البخل والشح وتعلمه الجود والعطاء ابتغاء مرضات الله تعالى. - ويأتى الحج ليخلص الإنسان من الأوزار والخطايا ليرجع الإنسان كيوم ولدته أمه. -ويأتى دور عبادة الصوم ليحقق تربية إيمانية للنفوس على أرقى درجات السلوك الإسلامى الذى يصل بالإنسان إلى قمة إيمانية يبينها الله فى قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" البقرة/183. - الصوم تربية للسلوك والأخلاق: - أول ما يطالعنا من دروس الصيام تلك الوحدة الشاملة التى يحدثها الصوم بين المسلمين، فليس لقومٍ أن يصوموا شهرًا ولآخرين أن يصوم شهرًا آخر بل المسلمون جميعًا يصومون معًا شهرًا واحدًا وفى هذا درسٌ عظيم فى جمع الشمل ونبذ التشتت والتفرق والتمزق الذى تعانى منه أمتنا فى واقعنا المعاصر. -كما يطالعنا من دورس الصوم الذى تشتد إليه حاجة الأمة الدرس الاقتصادى الذى يتمثل فى التدبير والاقتصاد وعدم الإسراف فى المأكل والمشرب مما يترتب عليه توفير ما يفوق نسبة الثلث من الاستهلاك تضاف إلى رصيد اقتصاد الأمة إن الصيام بهذا يقاوم ويعالج القيم الاستهلاكية فى المجتمع. -كما يطالعنا من دروس الصيام درس تقوية الإرادة، فالله تعالى لم يشرع الصوم إيلامًا للصائم أو تعذيبًا له ولكن شرعه ليكون وسيلة لتهذيب النفس وتربية القدرة على السيطرة على الأهواء والشهوات، فكم من الناس من يشتهى ولا يصبر؟ وكم من الناس من يغضب ولا يملك نفسه عند الغضب؟ وكم من الناس من ينفلت فى الآثام والمعاصى؟ وكم من الناس من يفقد عمره بالتسويف والتمنى؟ -كل هؤلاء وهؤلاء دواؤهم فى مدرسة الصوم. الصوم دواءٌ للذنوب: الصوم فرصة للتطهر من الذنوب والآثام، فكما أعطانا الله عزَّ وجلَّ فرصة يومية للتطهر من الذنوب بالصلوات الخمس وفرصة أسبوعية بيوم الجمعة، أعطانا الله عزَّ وجلَّ فرصة سنوية للتطهر من الأوزار. والآثام فى شهر رمضان، قال النبى صلى الله عليه وسلم : "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه" . وقوله : "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه". وكما يكون الصيام وسيلة للمغفرة فإنه كذلك يأتى شفيعًا لصاحبه يوم القيامة، قال النبى صلى الله عليه وسلم : "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة". صفة الصوم الذى يكون تربية للسلوك ودواءً للذنوب: الصوم الذى يحقق لنا هذه الثمرات هو الصوم الذى يأتى موافقًا لهدى النبى لا تشوبه ولا تفسده معصية، وليس صوم البطن والفرج فقط، قال النبى صلى الله عليه وسلم : "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه". وقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يسخر فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إنى صائم، إنى صائم". ومن هنا ندرك أن الصوم الذى ننال به الدرجات وتتحقق به المغفرة ويرقى به السلوك هو أن يصوم السمع والبصر، والعقل وكل الجوارح تصوم عن الحرام مع البطن والفرج. حقيقة الصوم: المتأمل لحقيقة الصوم يرى أنه امتناع عن الحلال من الطعام والشراب فترة من الوقت وكذلك الامتناع عن الحلال من النساء (الأزواج)، أما الحرام بكل صوره وأنواعه فالامتناع عنه حاصلٌ عند المؤمن فى رمضان وفى غير رمضان، لذلك كان الامتناع عن (الحرام) فى رمضان أوجب، فإذا كان صيامك عما أحل الله قائمًا فأولى بك أن تصوم عما حرَّمَ الله. عادات وتقاليد خاطئة تضر بالصوم: أن يضيع وقت رمضان فى لهو يشغللك عن ذكر الله، أو فى إثقال البطن ليلاً بالطعام وكأنك تأكل بأثر رجعى فتصاب بالخمول والكسل وتحرم من فضل وبركة الصوم أو أن تقع فيما يفعله بعض الغافلين حين يتطاول الواحد منهم بلسانه على الخلق ثم يقولك أعذرنى فإنى صائم. أو يشتغل بذكر عيوب الناس ويقع فى أثم الغيبة والنميمة بحجة أنه يسلى صيامه، إن مثل هذه العادات والتقاليد الخاطئة تحرمنا من فضل الصيام وثمرته، يشهد لذلك قول النبى صلى الله عله وسلم : "رُب صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُب قائم ليس له من قيامه إلا السهر". [email protected]