لفت انتباهي موضوع في حوار تليفزيوني شاهدته بالأمس عن سن زواج الصغيرة (في كتب الفقه الإسلامي)، في المناظرة التي كانت بين شخص يدعى - إسلام بحيري - وعالمين فاضلين، هما: الدكتور أسامة الأزهري، والداعية الحبيب على الجفري, لفت انتباهي لسن تزويج الصغيرة في اليهودية وأهمية البحث فيه - لأن السهام كلها توجه للإسلام فقط دون التعرّف على ولو ملامح رئيسية عن الموضوعات نفسها في الديانات الأخرى, لعل ذلك يكون مفيدًا في تخفيف حدّة الحوار إذا تبين أن المسلمين ليسوا وحدهم في شأن ما وإنما يشاركهم فيه آخرون. تخضع الفتاة, في اليهودية, قبل أن تتزوج, لسلطة الأب، فهو الذي يستطيع أن يزوجها للشخص الذي يختاره لها دون أن يستشيرها، ودون اعتبار لإرادتها وهو رأي الراب "موسى ابن ميمون"، الذي صرح به في كتابه (مشنيه توراه) في تفسيره عبارة "(لقد زوجت هذا الرجل من ابنتي) (تثنية 22 : 16 ) حيث يقول: يزوج الأب ابنته دون إرادتها طالما كانت صغيرة, وحينما تصبح فتاة فهو يملك أيضًا, التصرف في أمرها. أمّا سن تزويجها صغيرة فيتراوح بين السادسة والعاشرة, ويمكنها بعد ذلك وإلى أن تبلغ الثانية عشرة ويوم واحد ،وهو سن بلوغ الفتاة، أن تعترض على الزواج وترفضه وتسمى في التشريعات اليهودية حينئذ المعترضة/الرافضة, على أن تخضع الصغيرة لإنفاذ اعتراضها على الزواج لبعض الاختبارات العقلية, بغية التثبت من رجاحة عقلها لما تقدم عليه من تصرف. وتلزم التشريعات أن يكون اعتراض الفتاة الصغيرة على الزوج أمام شاهدين،بقول محدد, هو : لا أريد فلانًا زوجًا لي)، وما شابهه، ويدوِّن الشهود اعتراضها هذا في صيغة معينة لذلك ويوقعان عليها ويسلمانها لها وهو ما يسمى "وثيقة رفض" تميزًا لها عن وثيقة الطلاق، التي تتضمن تفاصيل عدة وإجراءات معينة. ويشترط في شهود "وثيقة الرفض" شروط معينة أهمها المعرفة التامة بالفتاة وزوجها. ولا تعدّ الرافضة مطلقة, فيجوز له الرجوع لزوجها على العكس من الطلاق ذا تم بشروطه فلا يمكن الزواج مرة أخرى – بمعنى أنه بائن بينونة كبرى بالمصطلحات الإسلامية لكن من أول طلاق. واذا طلقت بوثيقة تعد مطلقة ولا تعود لزوجها. يتضح من ذلك أن الصغيرة من سن السادسة إلى ما دون الحادية عشرة مسلوبة الإرادة في مسألة الزواج, ويقوم على إدارة شئونها الشخصية والاجتماعية أبوها, وابتداء من أول يوم في السنة الحادية عشرة إلى سن الثانية عشرة يمكنها الاعتراض بالشرط الذي ذكرناه سابقاً فالبنت قبل سن بلوغها هى مِلكُ أبيها وهو يملك الولاية الكاملة عليها فيزوجها ممّن يختاره لها سواء رضيت بالزوج أم لم ترض, بل أكثر من ذلك كما يتضح من تفسيره: إذا خُطبت الفتاة قبل أن تبلغ، دون رغبة أبيها،فلا يُعتّد بهذه الخطبة، حتى إذا وافق الأب بعد إتمام الخطبة. أي انه لا عبرة بإرادتها الشخصية إذا لم تكن موافقة لإرادة أبيها، ولا تنعقد الخطبة بأي حال من الأحوال بدون إرادة الأب. ويذهب ابن ميمون،بناء على عبارة التوراة المذكورة أعلاه في شأن تزويج الابنه إلى أن (الأب يتلقى تقديسها) أي أن الأب هو الذي يأخذ ما يُجعل للفتاة عند خطبتها. وقد استنتج الحكماء من هذا النص أن الأم لا تستطيع أن تباشر إجراءات تزويج ابنتها, بل الأب فقط هو من يملك هذا الحق. ويبدو ذلك بوضوح, في التلمود حيث جاء : الأب يخطب لابنته ولا تخطب الأم لابنتها .. تفسيرًا لعبارة سفر التثنية. بينما لا يستطيع أحد الوالدين، سواء الأب أو الأم، تزويج الابن، ولا عبرة للسن في هذه المسألة، حيث يقول النص (ابنتي) وليس (ابني) ولذلك فالأب هو الذي يحدد كل شيء بالنسبة للابنة قبل أن تبلغ. ونعرف من ذلك أن اليهودية تبيح تزويج البنات صغارًا بغض النظر عن إرادتهن,،وهذا الوضع بالنسبة للفتاة فقط ،وليس الفتى ،كما بينّا. ومثل سلطة الأب في تزويج البنت، وليس الأم، كذلك سلطته في بيع ابنته، في نظام العبودية، تسري على البنت فقط وليس الابن. فهو فقط الذي يملك حق بيع ابنته وليس الأم: إذا باع رجل ابنته كأَمة، فإنها لا تطلق حرّة كما يطلق العبد. ويستدل الحكماء كذلك من هذا النص أن الرجل فقط يملك بيع ابنته ولا تملك الأم هذا الحق. ويبدو السماح ببيع الابنه كأمة، في التوراة- كأمر واقع وقاعدة معروفة. إن تفاصيل حقوق الابنة طبقًا للقواعد المنظمة للعلاقة بين الأمة وسيدها لا تبدو عادلة بناء على النص المذكور. فمتى يُطْلق سراحها ؟ وبأية شروط ؟ وتبدو مسألة بيع الفتيات كإماء، دون إرادتهن، في اليهودية، من المسلمات غير القابلة للنقاش. جدير بالذكر أن ولاية الأب في تزويج ابنته لا تزال سارية إلى يومنا هذا,بينما حظر الحكماء بيع الابنة كأمة وعلقوا هذا الحكم بحجة أنه مرتبط بنظام "سنة السبت" أو اليوبيل الذي كان معمولا به في الزمن القديم, قبل خراب هيكل أورشليم (586 ق.م). والذي كان يقضي بتحرير العبيد كل حقبة معينة. (انظر: "شميطاه" و"يوبيل. وللاقتراب أكثر ومعرفة وضع الابنة, في اليهودية، نقرأ في تشريعات المشنا : يحق للأب الولاية في خطبة ابنته بالمال، وبالسند، وبالمعاشرة، ويحق له ما تجنيه يداها". أي أن كل أجر تحصل عليه نتيجة كدّها وتعبها يذهب إلى أبيها. كذلك يملك فكّ نذرها، وتسلُّم وثيقة طلاقها. وتسري تلك الأحكام جميعها على الفتاة دون الفتى. كما تسري عليها تلك الأحكام طالما كانت في ولاية الأب،وإلى أن تنتقل إلى ولاية جديدة هى ولاية الزوج : تكون الفتاة في ولاية الأب إلى أن تتزوج, فتدخل في ولاية الزوج. وإذا ما دلفنا إلى حالة الفتاة التي تصل إلى سنّ الثانية عشرة والنصف (في أحد الآراء), وقبل أن يُفرض عليها الزواج بصورة قسرية، فإذا تزوجت،في نهاية المطاف،بموافقتها،تجد نفسها،مرة أخرى، في ولاية حاكم جديد – على حد تعبير المشنا – (ويكون اشتياقك إلى زوجك، وهو يسود عليك) كأن السيادة جاءت نتيجة لاشتياق المرأة إلى زوجها.