ملأه الزهو بنفسه أمس، وقف رافعا رأسه في مقر حزب الليكود وألقى خطابه المعهود والذي ألقاه نحو عشر مرات قبل ذلك أو أكثر، هو بنيامين نتنياهو تماما مثلما كان يتحدث عن أمن إسرائيل بأنفاس لاهثة ويلوح بالتهديدات بأعين زائغة ويشير إلى الرعب والخوف والأخطار والإرهاب والمتربصين بالدولة العبرية من حماس وحزب الله وإيران وداعش واليسار الإسرائيلي بعيون مدمعة لا تخلو من براعة ممثل محترف أيضا، وظهر من خلفه زوجته "سارة " صاحبة الرقم القياسي في فضائح زوجات الرؤساء والتي نالتها اتهامات بالفساد وسرقة المال العام بل وقلة الأدب أيضا بسبب ملابسها المثيرة أحيانا وهي تبتسم حينا وتتغامز حينا كأنها تكيد للصحافة والإعلام الذين هاجموها الأسابيع الأخيرة . وقف نتنياهو يخطب بثبات ومن خلفه سارة .. احتفل قبل الوقت الرسمي للاحتفال، قبل حتى أن تظهر المؤشرات الأولى للنتائج والتي كانت تؤكد فوزه بفرق مقعد واحد، وقبل أن تظهر النتائج الثانية والتي أكدت فوزه بفارق ستة مقاعد، وللصدق فنتنياهو من حقه أن يحتفل، لأن نجاحه كان واضحا في الأفق رغم أصوات المعارضة المرتفعة ورغم المظاهرات التي خرجت ضده بالآلاف قبل الانتخابات بأيام ورغم حتى الاستطلاعات التي أكدت تقدم المعسكر الصهيوني. نجاحه واضح لأنه يفهم شعب إسرائيل جيدا ويعزف على أوتارهم المشدودة بحرفية ومهارة لأن لعبة الخوف والأمن نجحت كثيرا من قبل، استخدمها هو ونجح بها ثلاث مرات واستخدمها إيهود أولمرت ونجح بها وغيرهما كثيرون، لأن الرؤساء في إسرائيل عرفوا أن بالخوف ينتصرون وبالرعب يذهب الناخب الإسرائيلي إلى صناديق الاقتراع ويصوت لهم. نجح نتنياهو في صناديق الاقتراع لكنه خاسر في الشارع الإسرائيلي والشارع السياسي والشارع الدولي أيضا.. عاد نتنياهو إلى الكرسي وهو يحمل ذنوبا وآثاما وهو يستعد لمعركة قاسية على جميع الأصعدة. خسر نتنياهو الشارع الإسرائيلي لأن الجمهور الذي انتخبه صوت له فقط لأنه خائف ولأنه لم يجد في المرشح المنافس "يتسحاق هرتسوغ" الأمان ولأن المعسكر الصهيوني أخطأ في تقديراته نحو الشارع الإسرائيلي واعتقد أن الشعب البائس سيلهث خلف المشروع الاقتصادي ونسى أن اليهود ولدوا وعاشوا في الخوف منذ أن كانوا في الجيتو. خسر نتنياهو الشارع السياسي لأنه ذهب للمتدينين والاحزاب الدينية وعقد معهم الصفقات ليخسر بذلك كثيرا مع العلمانيين والليبراليين وليفتح على نفسه أبواب جهنم بعداء في الحكومة القادمة بين هؤلاء وأولئك . خسر نتنياهو الشارع الدولي بعد أن أصبح في مصاف أعداء أوباما عندما عانده وذهب ليخطب في الكونجرس رغما عنه، وصاحب الفضل في توترات لا بأس بها مع أوروبا أدت إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في عدد من دول أوروبا بعد مماطلته في مسألة الاعتراف بفلسطين، ولأنه رغم عجرفته لم يهدم أنفاق حماس ولم يردع حزب الله ولم يمنع التسليح النووي لإيران . خسر نتنياهو الكثير وحافظ على كرسيه .. وسيخسر أكثر الأيام القادمة وهو يدفع بإسرائيل إلى الهاوية.