العنف في الملاعب صار واقعا و حقيقة ملموسة ليس لديها جواز سفر من قارة لأخرى و لا تأشيرة دخول إلى الملاعب الرياضية، إذ أن المتتبع لكرة القدم العالمية في السنوات العشرة الأخيرة يلاحظ من الوهلة الأولى استفحال وتفشي العنف وأعمال الشغب التي حولت ملاعب كرة القدم إلى حلبات من المناوشات و المواجهات الخطيرة بين الأنصار وحتى بين الفرق داخل الملعب. ويعتبر الشغب والعنف الرياضي من المفاهيم الأكثر شيوعا في الوقت الحاضر، وهو ظاهرة من الظواهر الاجتماعية، النفسية والأمنية التي بدأت تظهر في العديد من المجتمعات المعاصرة، حيث أصبحت تشكل خطرا على الأرواح والممتلكات من خلال الإخلال بالنظام العام والمساس به بسبب السلوك العدوانى للاعبين، الإداريين، الحكام، والمشجعين والأنصار. وتكريسا للأمن الرياضي استضافت العاصمة البريطانية لندن على مدى يومين أعمال المؤتمر الدولي الرابع للأمن الرياضي 2014 الذي نظمه المركز الدولي للأمن الرياضي تحت عنوان "الرياضة تحت التهديد ولا خيار إلا للفوز"، في حضور ما يقرب من 200 شخصية من أوروبا والعالم ما بين وزراء ومسئولين حكوميين معنيين بالرياضة وممثلين عن المنظمات والمؤسسات والاتحادات الرياضية العالمية إلى جانب ممثلين عن الحكومة البريطانية، والألماني فرانتس بكنباور وسيباستيان كو رئيس اللجنة المنظمة لأولمبياد لندن 2012. وهذه هي المرة الأولى التي ينظم فيها المركز الدولي للأمن الرياضى مؤتمره السنوي خارج العاصمة القطرية، حيث أقيمت النسخ الثلاث الماضية في 2011 و2012 و2013 في أكاديمية "سباير" ومركز قطر الوطني للمؤتمرات والحي الثقافي كتارا على التوالى، وأقيمت النسخة الرابعة 2014 في لانكستر هاوس في لندن. هذا العام اكتسب المؤتمر الذي اختتم أعمالة اليوم أهمية خاصة حيث عقد في توقيت رسخ فيه المركز مكانته الدولية وتواجده كمنظمة عالمية غير هادفة للربح تحمل رؤية وأهداف واضحة ومحددة، ومواكبة في مجالات الأمن الرياضى والنزاهة الرياضية، وقد نجح المركز في طرح عدد من المبادرات التي حظيت بترحيب عالمي واسع وتبنتها مؤسسات عالمية كبرى، وساهمت في تنفيذها على أرض الواقع خلال السنوات الماضية. تناول المؤتمر على مدى يومي انعقاده عددا من العناوين الهامة من خلال جلسات حوارية ونقاشية ومتحدثين من أبرز الشخصيات العالمية، ومن هذه العناوين الشفافية المالية والنزاهة المالية في الرياضة بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة، الحوكمة والمساءلة فى مجال الرياضة، الفساد والجرائم المنظمة في الرياضة، السلامة والأمن الرياضي في الأحداث والفعاليات والبطولات الرياضية الكبرى، وأثر الأمن الرياضى والنزاهة الرياضية على الشركات والمؤسسات الراعية والقضايا المتعلقة بحماية الأطفال والقصر في سياق تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى ، بالاضافة الى ما يتعلق بالجوانب المالية لانتقالات اللاعبين المحترفين حول العالم. ويقصد بالأمن الرياضي الجانب الأمني المتعلق بحماية الجمهور واللاعبين والحكام وكبار الشخصيات الحاضرة لمشاهدة البطولات الرياضية ، وكذا حماية الممتلكات العامة والخاصة من أى اعتداء مباشر ، وذلك بمراعاة الجوانب التي توفر استقرار الحالة الأمنية واستتبابها للجميع قبل وخلال و بعد المباريات. ظلت الروح الرياضية سائدة فى المنافسات والأنشطة الرياضية ، حتى أصابها مرض التعصب الأعمى والعنف بكل أشكاله وأنواعه، فما إن يسمع لجمهور عن مباراة إلا ويهرعون إلى الملاعب الرياضية بغرض التعصب لهذا الفريق أو ذاك لا للإستمتاع بمشاهدة المباراة. ونظرا لمظاهر وآثار العنف و الشغب الرياضي السلبية على الفرد و المجتمع و الدولة أصبحت مسألة العنف الرياضي تشكل محورا هاما و أساسيا في اهتمامات الدول وسياسات حكوماتها، المتقدمة والمتخلفة، الغنية والفقيرة على السواء ومن زاوية أخرى، أصبحت هذه الظاهرة محل اهتمام من قبل الباحثين و الدارسين والخبراء في ميادين شتى، السيكولوجية، السوسيولوجية والعلوم القانونية التي توصلت إلى إقتناع بضرورة تحليل الظاهرة وفهمها لإيجاد الطرق والأساليب الوقائية والعملية للحد من تفشي هذه الظاهرة وتفاقمها. والمتتبع للتطور التاريخي للأحداث الرياضية المؤلمة التي عرفتها ملاعب كرة القدم، يلاحظ تزايد وتيرتها وتداعياتها الخطيرة، خاصة في المجال الأمني، نظرا للسلوكات والتصرفات الهوجاء غير المسئولة لمناصري بعض الأندية الرياضة سواء في حالات التعبير عن الفرح أو الهزيمة إلى حوادث مروعة. وزيادة ظاهرة عنف الملاعب على المستوىين العالمى و المحلى فى السنوات الأخيرة، استلزم تعاظم دور الشرطة فى توفير الامن الرياضى فى الملاعب، واستوجب ذلك أن يكون للجهات الأمنية دورها فى حفظ النظام والأمن قبل، أثناء وبعد المباراة، خاصة في حالة حضور شخصيات عامة أو الاحتكاك بالفرق الأجنبية، أو حدوث أي مظهر يهدد مفهوم الأمن العام من خلال ما يصاحب العنف والشغب من تخريب، واعتداءات على الحكام واللاعبين و الإداريين بإلقاء الحجارة والمواد الصلبة والزجاجات الفارغة. ولم يعد المكان الذي تقام فيه المباريات محل الاهتمام فحسب وإنما تعدى ذلك إلى تسيير حركة المرور في المحاور والمناطق المجاورة والشوارع المؤدية للملعب والمباني والمساحات العامة التي تحتاج إلى المزيد من الجهد والتخطيط الدقيق قبل وبعد المباراة، وعند خروج الجمهور الرياضي في تظاهرات صاخبة للتعبير عن فرحتهم أو غضبهم لسبب أو لآخر.