ليست هذه هي المرة الأولى التي أشاهد فيها برنامج مسابقات متخصص في أحد مجالات الفن الذي لم أجد فيه أي متخصص أكاديمي، فقد شاهدت على قناة القاهرة والناس تمهيد لبرنامج "الراقصة" الذي سيذاع قريبا على شاشتها، جميع من تحدثوا فيه كانوا مجموعة من الصحفيين بالرغم من وجود أساتذة متخصصين في فنون الحركة والرقص في المعهد العالي للباليه بأكاديمية الفنون، حتى السؤال الذي يحتاج لأن يجيب عليه رجل دين وهو هل الرقص حرام أم حلال؟ أيضا جاءت الإجابة من أحد الصحفيين. المثير للدهشة أيضا أن مُحكمي هذا البرنامج التسابقي في الرقص ليس من بينهم متخصص واحد في الرقص حتى لو اعتبرنا الراقصة دينا خبيرة في هذا المجال. وفي قناة فضائية أخرى نجد شابة مغمورة أجزم أنها غير متخصصة في أي نوع من أنواع الفنون نظرا لسذاجة وسطحية الأسئلة التي تطرحها على ضيوف حلقاتها، تقدم برنامجا أسبوعيا عن ما أطلقت عليه الفنون المستقلة، وهو مصطلح تعسفي الغرض الوحيد منه هو الفصل بين الفنون التي تخرج من عباءة مؤسسات الدولة وأي فنون أخرى، والهدف الرئيسي من هذا البرنامج هو تسليط الضوء على من يقدمون فنون بعيدة عن مؤسسات الدولة بغض النظر عن جودة العمل من عدمه. وللأسف لم تسلم محطات الإذاعة المصرية سواء الخاصة أو التابعة للدولة من هذه النوعية من برامج الغناء التي تهدف الى الترفيه فقط. وإذا ماعدنا الى سنوات ماقبل ثورة يناير أتذكر العديد من البرامج التي كان يقدمها أيضا غير المتخصصين في السينما والموسيقى والمسرح على شاشات التليفزيون المصري والفضائيات، والتي كانت تقتصر على تقديم للعمل الفني فقط بعتمد على بعض المعلومات التاريخية للعمل والتعريف بصانعيه. وهذه النوعية من البرامج ظاهرها متخصص ومضمونها بعيد عن تحليل وتفسير الأعمال الفنية. لعل جميع ماسبق يفسر لنا تدهور ذوق أغلب الأجيال المعاصرة للفنون بشكل عام، هذا لأن نوعية البرامج التي قُدمت لهم خلال عقدين أو مايزيد من الزمن كان الهدف من أغلبها شغل ساعات الإرسال، ولم تُقدم بهدف رفع الذوق الفني للمتلقي من خلال تعريفه بعناصر العمل الفني ومواطن القوة والضعف فيه. نستثني من ذلك بعض البرامج القليلة التي كان لها هدف توعوي أبرزها برنامج "نادي السينما" التي كانت تقدمه الإعلامية درية شرف الدين، وبرنامج "غواص في بحر النغم" الذي قدمه الراحل عمار الشريعي في الإذاعة المصرية، ولاقى شعبية كبيرة واستمر لسنوات عديدة، وقدم بعده بسنوات برنامج تليفزيوني هو "سهرة شريعي" على أحد القنوات الفضائية بأسلوب أبسط من برنامجه الإذاعي التقى فيه بعض مشاهير الفن ليتناسب ذلك مع سياسات القنوات الفضائية التي تهدف في المقام الأول للربح السريع، وبالرغم من أن عمار الشريعي كان مقدم نفس البرنامجين إلا أن برنامج "غواص في بحر النغم" لاقي انتشارا ونجاحا أكبر من برامجه التي تبعته سواءً التليفزيونية أو الإذاعية، وهذا يدل على أن هناك شريحة كبيرة من الجمهور الذواقة للفن الذي لا يجد نوعية البرامج الجادة التي لاتخلى من ترفيه لترضي ذوقه. إن أغلب نوعية البرامج التي توضع على خرائط البرامج التليفزيونية والإذاعية في مصر، مازالت تتبع سياسات الإعلام الاستهلاكي المسيطرة على جميع القنوات والإذاعات إلا القليل بالرغم من الحديث المتكرر حول ضرورة رفع الوعي الثقافي للمواطن المصري بعد ثورتي 25 يناير و 30 يونيو. والذي لا يدركه الكثيرون أن تحليل وتفسير بعض الفنون مثل الأفلام والمسرحيات والأغنيات يوفر الكثير من الجهد على الدولة لرفع الوعي الثقافي بمفهومه الشمولي عند المواطن. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستتغير سياسات الإعلام المصري وينظر أصحاب رؤوس الأموال من مالكي القنوات الفضائية للبرامج الفنية بنظرة جادة تستعين بالمتخصصين في مجالاتهم ؟ أم ستظل البرامج الفنية فقط للترفيه ويظل إقصاء المتخصصين في الفنون قائما لصالح المصالح التي تتصالح؟ ولا عزاء للمتلقي المسكين.