أوراق شجرة الفن المصرى والعربى، خاصة فى مجال الموسيقى والغناء تتساقط بالدرجة التى بدأنا نستشعر فيها بالخطورة الحقيقية على مستقبل هذا الفن، بدأنا نشعر وكأن الشجرة أصابها المرض والشيخوخة، وأصبحت آيلة للسقوط، خاصة أن الورقة التى تسقط لا تنبت محلها ورقة أخرى تعطينا الأمل بأن هناك استمرارية فى عالم الإبداع المصرى، العام الماضى فى مثل هذه الأيام رحل فيلسوف التلحين عمار الشريعى بعد صراع طويل مع مشاكل فى القلب، ويشاء القدر أن يرحل الشاعر الغنائى الكبير أحمد فؤاد نجم قبل أن يكتمل العام الأول من الذكرى الأولى لرحيل عمار الشريعى، وبينهما رحلت عن عالمنا الدكتورة رتيبة الحفنى التى كان لها الفضل فى إنشاء مهرجان الموسيقى العربية، وفرق الموسيقى العربية بأكاديمية الفنون ودار الأوبرا المصرية. عمار الشريعى من الصعب أن تنبت شجرة الفن المصرى فناناً بهذه المواصفات، فهو أهم من وضع الموسيقى التصويرية خلال الربع القرن الأخير، وكون مع ياسر عبدالرحمن وعمر خيرت ثلاثى أضلاع لمثلث كان الأهم فى العالم العربى، كما كان لعمار قدرات أخرى فى عالم التحليل الموسيقى ظهر نبوغه فيها من خلال برامج إذاعية وتليفزيونية أهمها «غواص فى بحر النغم» و«سهرة شريعى»، وكان رحمه الله لديه قدرة هائلة على التحليل البسيط الذى يصل إلى عقل أى إنسان لا علاقة له بعالم علم الموسيقى والغناء، وبالمناسبة الشريعى لم يدرس الموسيقى من خلال المعاهد المتخصصة لكنه تفوق على أغلب من درسوا هذا الفن كعلم، لذلك عمار لم يكن مجرد موسيقى تقليدى من نوعية الذين يلحنون أو يضعون موسيقى تصويرية فقط، هل تنجب مصر رجلاً آخر بهذه المواصفات أتصور أن الأمر صعب؟ الشاعر الذى فقدناه الثلاثاء الماضى وهو أحمد فؤاد نجم، رغم أنه لم يعط الشعر الغنائى كل اهتمامه، لكن هل من الممكن أن نجد شاعراً غنائياً بيننا أو حتى خلال القادم من الزمن يتمتع بمثل مواصفات هذا الرجل، كل المهتمين بالأمر يرون أن جملة أو شطرة من شعر «نجم» تساوى مائة شاعر من الجيل الحالى، الذى وضع الأغنية المصرية فى مهب الريح بسبب سذاجة وضحالة الكلمة والمعنى. «نجم» كان ثائراً فى شعره فى كل شىء فى بلاغته وخلفياته وقضاياه، كما كان ثائراً على المستوى الإنسانى، أى أنه كان شاعراً له قضية يدافع عنها، وكثيراً ما فقد «نجم» مكاسب بسبب آرائه. رتيبة الحفنى أيضاً هل من الممكن أن تجد سيدة بهذه المواصفات تعمل 20 ساعة فى اليوم ولديها قدرة على الابتكار، صحيح كان هناك الكثيرون ينتقدون إدارتها لكنها فى النهاية صنعت لمصر ما لم يصنعه أحد فى مجال الموسيقى العربية، فهل من خليفة لها، تضع خطة برامج للمهرجان واستضافة شخصيات علمية فى المؤتمر، رحمهم الله جميعاً. الأزمة الحقيقية فعلاً أن الأجيال الجديدة لا يوجد بها من يتمتع بهذه المواصفات، والأزمة الأكبر أن الموجودين من الكبار أمثال محمد سلطان وحلمى بكر ومحمد على سليمان وفاروق الشرنوبى وميشيل المصرى لم نعد نستفيد منهم بالدرجة التى تتناسب مع مشوارهم الطويل اللهم إلا فى بعض اللجان سواء فى الإذاعة أو وزارة الثقافة، لكن على مستوى الإبداع أين هم الآن؟ خرجوا للمعاش رغم أنفهم، لأن المسيطرين على الساحة التى بدأت تتآكل بفعل سيطرة أنصاف الموسيقيين عليها منذ ثمانينيات القرن الماضى، وظهور ما يسمى بموسيقى الجيل، والآن لم تعد هناك موسيقى، ولم يعد هناك جيل، فهذا الجيل الذى أنجبته تلك الموسيقى دفن فى التراب إلى الأبد، وجاء جيل بعده يتعامل بالمنطق نفسه والأسلوب نفسه حتى فقدت الساحة المصرية الغنائية كبرياءها حتى أصبحت الشجرة متهالكة الفروع وسقطت أوراقها، الورقة تلو الأخرى مثل أوراق الشجر وقت الخريف.