عن ( كتاب مرايا الشعري) والذى يشرف عليه الشاعر مختار عيسى تصدر خلال أيام الأعمال الشعرية ( الجزء الأول ) للشاعر والروائي الفلسطيني الكبير محمد الأسعد ، ويضم الجزء الأول ديوان الغناء في أقبية عميقة والذى صدرت طبعته الأولى ضمن سلسلة ديوان الشعر العربي الحديث، وزارة الإعلام العراقية، بغداد، 1974، بينما سيتم اصدار باقى اعمال الأسد وهى حاولتُ رسمكِ في جسد البحر والذى صدرت الطبعة الأولى منه عن دار الطليعة الكويت 1976، ثم لساحلك َالآن تأتي الطيور والذى صدرت الطبعة الأولى منه عن دار بن رشد بيروت 1980، اما اخر تلك الدواوين فهو ديوان مملكة الأمثال والذى صدرت الطبعة الأولى منه عن دار العودة بيروت1986 . ولد الشاعر الفلسطينى الكبير محمد الأسعد في 6 سبتمبر 1944 في قرية (أم الزينات) ، جبل الكرمل في فلسطين، ويعتبر واحداً من أبرز الشعراء والأدباء النقّاد العرب، وفي طليعة أدباء فلسطين في المنفى العربي، تنقّل وعاش في أكثر من بلد عربي وأوروبي، وجمع بين موهبة الكتابة الشعرية والنقدية والروائية والبحثية والترجمة من اللغة الإنجليزية، وكان الأبرز بين من قدموا شعر الهايكو الياباني إلى القارئ العربي . ترجمت بعض أعماله إلى عدد من اللغات منها الفرنسية والبرتغالية والعبرية. تميز أسلوب الأسعد بالإحكام والحيوية منذ بدايته، ولعل أفضل ما يشير إلى هذا التميز أنه منذ صدور مجموعته الأولى "الغناء في أقبية عميقة"، لوحظ أنه من الأصوات العربية الشابة التي ظلت موالية لتراث الخمسينات الشعري في الوقت الذي وقفت فيه أمام بداية أخرى. وهي حالة نادرة أشار إليها الناقد والشاعر العراقي د.علي جعفر العلاق في مقالة له حملت عنوان "عودة إلى أجواء القصيدة الخمسينية" حلل فيها مجموعة الشاعر الأولى. ومما جاء في هذه المقالة إن في الشاعر الأسعد "الكثير مما يذكرك بالقصيدة الخمسينية؛ لعبتها اللغوية، مصطلحها الشعري، همومها المنتقاة، ميلها للتطريب أحياناً. غير أن فيه أيضاً، ما يذكرك بالقصيدة الجديدة بما تحمله من تشابك وإفلات، ونأي عن الموضوع، وعدم السيطرة من جهة، وما حققته، على يد أدونيس مثلا، من نقلة نوعية في القصيدة العربية: التعقيد، توظيف الحلم، تعدد الأصوات، تجديد اللغة"، ومال العلاق إلى الاعتقاد أن الشاعر الفلسطيني محمد الأسعد "يشكل حالة غير مستقرة، أو بعبارة قد تكون أصح، حالة الوقوف بين إحساسين، بين قناعتين، إنه يمثل قناعة خمسينية، وبداية أخرى، وبالفعل، لم تمض سنوات قليلة على صدور مجموعة الشاعر الأولى حتى حظي باهتمام خاص من قبل عدد من النقاد رأوا فيه صوتا خاصا متفرداً، وتكاملا فنيا عظيما. وعبرت الناقدة الشاعرة د. سلمى الخضراء الجيوسي في تعليقها على قصائد له مترجمة إلى الإنجليزية حين كتبت: "تجنب محمد الأسعد تجنبا تاماً شراكَ وإغراء الطراز الشعري الشائع، وظل مواليا لشكل من أشكال التعبير يتوافر على قدر عال من الانضباط الذاتي. إنه شاعر يمتلك تكاملا فنيا عظيما، وغريزة شعريةً لا تعرف التعثر مكّنته من الحفاظ على رؤيته الشفافة الخاصة به خلال مرحلة السبعينات الهائجة، ومن الإبقاء على الحدود اللسانيةِ والمجازيةِ مغلقة بصلابة في وجه الرطانة ونزعة المغامرة الزائفة. إن شعره المطبوع بطوابع رصانة رفيعة ولغة تماثل جدّتها طبيعيتها، ليشهد بوضوح على الطريقة ِ التي يعمل بها الفن بغريزة إبداعية لدى أفراد قليلين. مجالُ الفن محدّد لدى بعض الشعراء، ويمكن التعرّف على حدوده غريزيا، إلا أنه مجال بالغ الهشاشةِ أيضاً، ويمكن أن يُنتهك تكامله كما رأينا دائما إذا أظهر الشاعرُ ما ينبئ عن الاستجابة لدعوة ِالالتزام الاجتماعي، السياسي الصاخبة، وهنا يجب أن نسارع إلى القول أنه لايوجد شاعر أكثر التزاما من الأسعد. إن طبيعة حساسيته ذاتها تنبع من واقعة النفي الدائم، ومن الظلم المستمر، ومن انتقاص الكوامن التي تتضمنها جنسيته الفلسطينية، إلاّ أن عمله الشعري في الوقت نفسه لدليل بارز على أن التقنية الشعرية لا تُستمد من ثيمات موضوع الانشغال الشعري بالضرورة، بل تنبع من تركيبة الشاعر الفنية ووضعيته، ومن القدر الذي تقاوم فيه حساسيةُ الشاعر مساومات العصر التي تنتحل صفات الجاذبية الفنية أو تخضع لها، لقد رفض الأسعدُ رفضا تاما خلال مرحلة الهيجان، برصانته الصافية وتحفظاته الفنية، كلَّ التوقعات الاجتماعية (الشرعية) للمرحلة وواصل تطوير.