مها : -ربنا عاقبه بولد معاق و11 عاما وأنا أسعى للحصول على حقوقى - كل من يتقدم لخطبتي يشترط عدم بقاء طفلتي معي وأحدهم طلب مني إقامة جدار عازل جلست على كرسى خشبى متهالك يقع فى ركن بعيد هادىء بإحدى قاعات الجلسات بمحكمة الأسرة بإمبابة، متكئة برأسها على راحة يدها، تغمض عينيها المحاطتيين بهالات سوداء، بدت وكأنها تهرب من شىء ما، ربما من ذكريات مؤلمة عصفت بذهنها، وربما من نظرات أناس يسيل لعابهم على قوامها الملفوف بمجرد أن يصل إلى مسامعهم لقب "مطلقة"، واهمين بأنها امرأة سهلة المنال، وأن جسدها مباح، وربما من خوف يطاردها على مستقبل ابنتيها اللتين تركهما والديهما منذ 11عاما دون سند يحميهما أو مال يكفيهما شر العوز، أنها مها ذات ال34 عاما، والتى طرقت ابواب المحكمة لتحصل على أمر مؤقت بمنع زوجها من السفر، لعلها تتمكن من الحصول على متجمد نفقتها الذى يقدر بأكثر من 47 ألف جنيه. بوجه ترتسم على ملامحه معالم الحزن وبصوت يتلون بنبرات البكاء تبدأ مها رواية معاناتها ل"صدى البلد" قائلة :" تزوجت وأنا فى العشرين من عمرى من قريب لي يعمل مسئول مالي بإحدى الشركات الكبرى بالسعودية، كان يكبرنى ب 15 عاما، ورغم ذلك قبلت به، فلم يكن لدى خيارا آخر، ففى عرف أهلى أنا عانس وهو عريس لقطة، والأهم أنه من دمى ولحمى فسيصوننى ويكرمنى كما كانوا يظنون، سافرت معه إلى السعودية بعد إتمام مراسم الزواج التى لم تستغرق سوى أسبوع، وعشت فى شقة كئيبة، متهالكة الجدران وخالية من أى أثاث إلا من بعض الكراكيب استأجرها بمنطقة نائية يسكنها هنود وباكستانون لتكون عشا للزوجية ، وكأنه كان يقصد أن يجعلنى بمعزل عن العالم، لا أعرف شيئا عن أحد ولا أحد يعرف عنى شىء، حتى يفعل بى مايحلو له دون أن يحاسبه أحدا". تتابع الزوجة الثلاثينية حكايتها بألم وحزن:" كنت أشعر معه بوحشة وغربة مرعبة كانت تعتصر قلبى، أيامى معه كانت طويلة ومملة، جعلنى فى كل يوم اتمنى الموت لأهرب من بخله وأتخلص من صرخات معدتى التى تتاوه من الجوع كل يوم، فلم يكن مسموح لى بأكثر من رغيف خبز فى اليوم وحبات معدودة من الفول وشريحة باذنجان، كان يحاسبنى على اللقيمات التى تدخل فمى ويحصيها، وإذا نقص من الخبز رغيفا يخصمه من حصتى، حرم على كل ماتشتهيه الأنفس، رغم أن مرتبه كان يتجاوز ال17 ألف جنيه، كان الأكثر قسوة هو جوع الجسد ونار الشوق والرغبة التى كانت تحرق قلبى، فلم يكن يقترب منى كثيرا حفاظا على صحته ومن باب التوفير أيضا، واعتاد أن يتركنى وينام فى غرفة أخرى، أدركت حينها أننى قد دخلت إلى نار الله الموقدة عقابا على جرم لم يكن لي ذنب فيه سوى أننى أنتمي لعائلة تحكمها تقاليد وعادات بالية، وتحملت لأننى كنت مرعوبة من أن أحمل يوما لقب مطلقة. عرضت عليه أن أعمل كمدرسة بإحدى المدارس الخاصة لأساعده فى البيت، ومن ناحية أخرى أتكفل بمصروفاتى وأجد متنفسا بعيدا عنه قبل أن أختنق، فأنا فى حكم المنفية ومحرم على الاتصال بأهلي، الحقيقة لم يعارض الفكرة ولكنه رفض طبيعة العمل، وطلب منى أن أعمل كجليسة أطفال" دادة" لان مرتبها أعلى من المدرسة، وأن أرسل جزء منه إلى أمه، لم أصدق ما ألقاه على مسامعى، وتراجعت عن هذة الفكرة تماما". ترجع الزوجة الثلاثينة بظهرها للخلف، تركن رأسها إلى جدران بعض أجزائه مهدمة، وبصوت يختنق من شدة الألم تردف:" لا أستطيع أن أنسى اليوم الذى أهاننى فيه وسبنى وضربنى لمجرد أنه علم أن الجنين الذى يتشكل فى أحشائي أنثى، ضربنى وأهانني، وأرغمني على الرجوع إلى القاهرة بحقيبة ملابسى وبدون مليم واحد، وأنا حامل فى 3 شهور، وعندما اقترب موعد الولادة طلبت منه إرسال مصروفات المستشفى الخاص لصعوبة حالتى، فرفض وصرخ فى وجهى :" روحى موتى فى أي مستشفى حكومى"، وتحمل أبي نفقاتى رغم ضيق حاله، ومع ذلك عدت إليه وأنا أحمل على كتفى ابنتى التى رفضها. وبعدها بفترة شاء الله أن أحمل مرة ثاينة، لكن هذة المرة كتبت نهاية زواجى به، فحين علم أنه رزق ببنت أسود وجهه، وطلب منى أن أقتل البنت أو اسمها، وعندما رفضت اختفى من حياتى فرفعت دعوى خلع وحكم لى لأنهى مأساة زواج لم يدم إلا ل3 سنوات، هذة المرة أنا من سعيت لأحصل على لقب مطلقة وعن طيب خاطر، وبعدها رفعت قضية أجر مسكن وفرش وغطا وأجر حضانة ونفقة وصدر لى حكم 300 جنيه وزيادة نفقة ب500 جنيه، تراكمت عليه حتى وصلت ل47 ألف ومعي أحكام ضده بالحبس، ولكنى غير قادرة على تنفيذها بسبب سفره الدائم وإقامته فى السعودية". تختتم المرأة المعذبة حكايتها بوجه تحجرت ملامحه من المرار:" علمت بعدها أنه تزوج قريبة لي وأنجب منها بنت وولد معاق، وكأن الله أراد أن يعاقبه على مافعله بى وبطفلتيه، لا أعرف كيف طاوعه قلبه أن يتركهما بلا حماية ولاسكن ولامال، والأهم بلا عطف ولا حنان؟، أي نوع من البشر هذا الذى يترك طفلتين 11عاما دون أن يسأل عليهما ؟ ظننت أننى لو تزوجت قد أوفر لهما البديل لكننى كنت مخطئة، فكل من يتقدم إلى خطبتي يشترط عدم بقاهما معى، والوحيد الذى قبل بذلك طلب منى بناء جدار يفصل بيننا وبين البنات لأنه يعانى من إفراط جنسي، فيخشى أن يصيباهما بأذى فى نوبة من نوباته. واعترف لى بأنه كان مدمنا للمخدرات فرفضت، أما الآخرون فقد تنوعوا مابين طامع فى الشقة التى اسسها لى والدى وهمجى ساعى للبحث عن المتعة بعد مرض زوجته بمرض عضال، وآخر يرى أن زواجه منى شرف لي وتفضل منه لأني مطلقة، كل ما أتمناه أن أجد فرصة عمل مناسبة لأنفق على ابنتى وأن أتمكن من الحصول على حقى من طليقي الذي هدم حياتى وجعلنى أعاني من النظرات والكلمات الجارحة، وحولنى لامرأة يضرب بها المثل فى الفشل فى حياتها الزوجية داخل عائلتي، حسبى الله ونعم الوكيل فيه".