العالمية منذ الخمسينيات، ممن خاضوا الحالة الثورية على طاولات مقاهي أرصفة المدن الفاقعة أو في غرف مؤتمرات فنادق الخمس نجوم، أو على أرائك الصالونات لسياسيين منحرفين غبّوا أموال ناسهم دون محاسبة أو حساب؟، بينما كان الشعب في مجموعه لا خبر ولا علم له بكل أصول وحيثيات ومفردات مواد هذا الفكر ومضامينه؟، وما صح في ذلك سابقا يصح حاضرا ولاحقا، ومن الواضح أن هؤلاء(الثوريون الجدد) قد تلبستهم حالة وباء لفصام عصابي جعلهم يتلقطون عوالم الخيال لجعلها وقائع يتعاملون بها، لكنهم في ذلك يتخبطون أكان في توليف المتناقضات، أم في سرد وقائع لا وجود لها، فيتعثرون ويقعون، يضحك منهم أطفال سوريا ثم يزحفون..؟ لقد عانينا كثيرا في مواسم بدء ربيع الناتو على أرض العرب الملون بالدم من هذيان وسلوك بعض الأصدقاء الصادقين، ممن قد سبق وأن ملأهم الحقد على كل أنظمة العرب، التي أرجعوا إليها دون غيرها أسباب ما آلت إليه مصائر الشعوب، بما يخالف نضالاتهم وطموحاتهم وآمالهم، إلى أن عادوا تدريجيا إلى رشدهم بعد أن أوقفوا إدمان مشاهدة الفضائيات وسماع وكالات الأنباء التي يبرمجها اختصاصيوا التنظير من عملاء حلف الناتو وأذيالهم..؟ كنا نأمل أن نستوعب يوما ما يقول أو يكتب هؤلاء التقدميون عن الثورة والتحرر والتحرير، إلا أن معظمهم يكتب بغير أقلامه ويتحدث بغير لسانه؟، فالهوة لم تنشأ مع الأحداث السورية، بل سبقتها إلى زمن استقاء الأخبار والمعلومات من مصادر الغرب الحضاري، أو ممن هو قريب من أفلاكه، من منظماته الإنسانية الحقوقية والسياسية المسكونية، منذ أضاع هذا الثورجي عقله وفكره، وأصبح فخورا بانتمائه الكوني الجديد، منذ انتهى الثوري أن يكون فاعلا على أرض واقعه، وأصبح جاهلا بما تحت أقدامه، وبات يعيش في الأحلام، لكن بما أن هؤلاء يستمتعون في شمس الأمية المعرفية السياسية التي أكسبتهم ولم تزل تكسبهم لونا آخرا، صرفوا النظر عن الحقائق والوقائع وعن ملاحظات شعوبهم وعن سماع أنينهم؟، ولم ينتبهوا إلى أن القارئ أو السامع العربي قد أعرض عن مضمون ما يقولونه، لأنه بغير لغته ولا يمثله، وبات يرثي لهم ويشمئز منهم لإضاعة وقته في ثرثرات عقيمة ومغالطات في الوقائع والاستنتاج بما لا يفيد..؟ فأطياف الشعب السوري مؤلفة من عديد الإثنيات والشعوب والطوائف الدينية، وتنوعات لتجمعات حرفية صناعية مدينية وفلاحية وعشائرية.. والدولة السورية وانتظام جسمها حالة تجمع كل هذا العديد المتنوع على اختلافه وائتلافه، بما يعني هذا أن لا لونا واحدا في سلطاتها وأيضا في كل وظائف الدولة المدنية والعسكرية، بينما البعض من هؤلاء المهوسين يصرون على أن دولة سوريا هي من لون واحد، فلذا يحلو لهم اتهام الدولة على أنها تقوم في ممارسات لا تنسجم مع تكوينها، ويصورونها كما النوع الذي يعتمل فيه المجتمع العصبوي الهمجي ضد الآخر النقيض(حرق المصحف، كسر الصيب)؟، يخطفون أسر بكاملها نساء وأطفال وشيوخ، ويصطادون رجالا من لون طائفي معين ويقتلونهم ويقطعونهم ويمثلون في جثثهم، ثم يتهمون في نباحهم عبر فضائياتهم الدولة وجيشها، بأنها من قامت في تلك المجازر، علما بأن القتلة مفضوحون والضحايا معروفون، كما في مذبحة كرم الزيتون وكرم اللوز في حمص عشية اجتماع الهيئة الأممية المنضوية في حلف الناتو، ويريدون من شعب سوريا أن يصدق كي تصح رؤياهم أو تخميناتهم أو هلوساتهم، ومن ثم لينتشون....؟ يقول الشعب: نعم هنالك حراك شعبي معارض، وهو ظاهرة صحية في بنية المجتمع السوري مارسها أبناءه طيلة عقود في وسائل متعددة، واليوم هم أكثر حراكا ووعيا ..؟ وهذا الحراك الوطني المعارض يختلف في تعارضه عن التعارض الذي يقوم به ما تسمونه ويسميه الغرب تجاوزا معارضة، لكن عن أي ثورة سورية تتحدثون، ومن هم هؤلاء الثوار.. هل المتسللون المدفوع أجرهم هم الثوار، أو أنهم يعملون ثوار بالنيابة، ثوار بدل ثوار، أم أنهم من يقع على عاتقهم تجسيد العوالم الافتراضية على الأرض السورية، (من قتل وتعذيب وخراب وحريق وألم وأنين) تلك التي تطلقها الفضائيات.. ولم تزل، مع أنها انكشفت وبان مستورها؟ أم أن أعضاء مجلس اسطنبول الذين نعرفهم (هبلا يعلفون) قبل ذهابهم، وممن يبيعون أهلهم ووطنهم، (بعنطزة) في مقاهي باريز؟، لا رؤية ولا معرفة إلا ما قدمه لهم الغرب مخطط لطريق الفوضى الخلاقة، هل هؤلاء هم الثوار؟.. لم يحدث في العالم أن استوردت ثورة، لكن سيكتب التاريخ في سوريا عن الثورات المستوردة وعن متعهدي الثورات والمصدرين؟؟، وكما أنشئت ثورة من مرتزقة متسللة، يلتحق من نوعها جيشها، فأي جيش حر هذا.. فلقد كان لمتطلبات نظام سوريا الدولتي في محصلة للضرورات، إضافة للوضع الاستثنائي السوري بما واجه من تحديات: أنه قد أفرز طيلة عقود، العديد من شبابها الحدوديين والمهاجرين منهم إلى عمقها، بإغراءات استسهال العيش على حساب الدولة، في أن يعملوا في التهريب والممنوعات عبر حدود سورية الطويلة، فهل تسليح هؤلاء واسترزاقهم بالمدفوع الكبير من المال الحرام، وإلباسهم لباس الجيش السوري وتصويرهم، وبث ما يصور عبر الفضائيات يجعلهم جيشا سوريا وحرا أيضا..؟ اتقوا الله.. أليس هنالك شيء من الخجل ..؟ هؤلاء المزيفون، هؤلاء المنتحلون لصفة جيش الدفاع عن سوريا، هم أصحاب اللون الواحد العصبويون، هم قتلة الرجال والنساء والأطفال، هم نابشوا الجثث والمستعرضون المدربون لمراسم جنازات التشييع المزيفة وهم الإرهابيون، ذلك كما أثبتته الوقائع والبينات والدلالات، والشهادات الثقة لشهود العيان.. هم الممثلون الوحيدون على مسرح الفضائيات، من يلصقون جرائمهم بالأوفياء من أفراد جيش سوريا العرب، ومن تنقلون عنهم أنتم كل الأكاذيب والإشاعات وأقاويل الفتن المحرضات..؟ نعم هنالك مفارقات في اتجاهات السياسات العالمية، تجعل عرب النفط من ملحقات الناتو وإسرائيل، بينما تجعل مصالح شعوب العرب ومنها مصلحتهم في تحرير فلسطين في الطرف المقابل المواجه والممانع والمعادي، لكل المؤامرات التفتيتية للمنطقة ولوجود إسرائيل، لقد توضح ذلك منذ خمسينات القرن الماضي، فاتخذت سوريا موقفها التقدمي آنذاك وساندها الشعب ضد الرجعية في السعودية وفي سائر الإمارات والمشيخيات المتحالفة، المصنعة من قبل (لورنس) بريطانيا الشهير وأمريكيا، منذ ذلك التاريخ وشعب سوريا يصنع سياسته، ووفق مصالحه يخطو في توجهاته فهل أصيح التحالف مع إسرائيل وأمريكا عملا تحريريا، بينما التحالف مع شعب العرب وسوريا عملا استعباديا اغتصابيا خيانيا، وأن اتكاء سوريا على الطرف الذي يعادي أعداؤها عملا لا يغتفر..؟ لم يختلف شيء سوى أن اللاعب الذي كان الأقوى (أمريكا والغرب) في اقتسام المنطقة عام 1919 عقب الحرب الأولى، انتهت صلاحيته وحدوا الله واتقوه؟، ما هو معياركم لاعتبار أي إصلاح لسورية، وأي خطوة أو خطوات يقوم بها شعبها للإصلاح مشوبة وناقصة وستارا تمويهيا يعزز الطغيان، بينما يصح كل الخراب السياسي والاجتماعي والأخلاقي والثروتي في أرض العرب والسعودية وقطر؟، أهذيان هذا أم خلط في المفاهيم بقصد الكيدية، أم ضياع..؟ أما طهران الشاه..؟ طهران الأمس كانت في الحلف المركزي وحلف بغداد وحليفة لإسرائيل لذا كانت صديقة للعرب، ولم تكن شيعية وذات طموحات إمبراطورية؟، بينما طهران الآن ذات طموحات إمبراطورية..؟ كيف..؟ أليست طهران هي واحدة وفي ذات المنطقة الجغرافية، وشعبها هو ذاته بأديانه وطوائفه..؟ يمكن القول بأن المصالح اختلفت وأن مصالح طهران الآن تنسجم مع طموحات شعب المنطقة وطموحات ومصالح الشعوب الصاعدة، لم يتغير شيء في خارطة المنطقة، إيران لم تتوسع في أراضي العرب وتضم المساحات بل إسرائيل، وإيران لا تقصف شعب غزة..؟، فهل أن العداء لإسرائيل وتحرير فلسطين هو عمل خياني يتناقض مع طموحات شعب سوريا وشعب العرب..؟ أم أن من أشباه الدول (مستعمَرة) ومن أشباه رجال السياسة(عملاء)، صارت الأمور تقيَم ووفقا لارتباطاتهم تبنى المعايير، ربما يصح هذا لدى شعوب غير مدنية لم تتذوق طيب بناء المجتمعات والدول والحضارات..؟ لكن هذا لا يصح ولا يجوز مع شعب مدني حضاري كشعب سوريا، فمن يريد مخاطبته أو التحدث: فعليه أن يكون عاقلا لا حقودا ولا عصبويا ضيق الأفق، وأن يقدم واجب الاحترام بما يليق..؟