احتفل العالم منذ أيام قليلة باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، والذي تقرر أن يكون يوم 30 يوليو من كل عام.. والاحتفال العالمي هو مناسبة لتجدد الدول التزامها بالمضي قدما في مكافحة ظاهرة من أقدم الظواهر في العالم، ألا وهى العبودية أو الرق بأشكاله المتعددة التي عرفت منذ فجر التاريخ في العصور الأولى، وكان هناك عبيد وجوار يباعون ويشترون، إلى أن جاء الإسلام وحرم جميع صور العبودية، والرق، والممارسات الشبيهة بالرق، حيث كانت هناك سوق للجواري من النساء تستغلهن في الدعارة والخدمة القسرية، فكرم الإسلام الإنسان، ونص على حقوق تفوق الحقوق الواردة بمواثيق حقوق الإنسان! حقوق تعد دستورا يحمي ويحترم حقوق الضعفاء من النساء والأطفال والفقراء.. حقوق ربانية تنص على احترام العمال والعمل.. حقوق تجرم العمل القسري والسخرة. الاحتفال يعد أيضا مناسبة لتتبادل الدول الخبرات وأفضل الممارسات في مجال مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر، تتعلم الدول من الشرق إلى الغرب ماهية أنماط الجريمة لديها، ويتكلم الضحايا عن قصصهم بدون الإفصاح عن هويتهم.. يتحدث الضحايا بعد تعافيهم ليرسلوا رسالة أمل إلى كل ضحية اتجار بالبشر. الاتجار بالبشر أو العبودية المعاصرة آفة وجريمة ضد الإنسانية! تأخذ أشكالا متعددة يعرفها الخبراء، تتغير وتتحول وفقا للتغيرات والمستجدات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والأمنية. يتفنن المتاجرون في صور استغلال البشر والحض من الكرامة الإنسانية، وأهداف الاتجار بالبشر عديدة، وذات أبعاد ومعطيات متعددة، كما تتعدد وسائل الاتجار بالبشر، فقد تكون العنف أو الإكراه أو الخديعة أو كل هذه الوسائل، ودائما ما يكون التاجر أو المجرم صاحب سلطة أو سطوة مستغلا حالة ضعف وحاجة الضحية، بل وجهل الضحية بأنها تحت سيطرة الجاني، نعم قد لا تعلم الضحية أنها مستغلة، أو متجر بها، لأنها وببساطة لا تعرف أبعاد الجريمة وحيل المتاجرين. وجريمة الاتجار بالبشر جريمة مختلطة، ففي الأغلب لا تكون في صورة واضحة لبيع وشراء الضحية! بل تكون مصاحبة لجرائم منظمة كالإرهاب، أو الاتجار بالأعضاء، أو الاتجار بالسلاح، أو غسل الأموال، أو تهريب المهاجرين، أو مصاحبة للدعارة، أو تجارة الآثار، أو باستخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لبث صور داعرة للضحايا... أو.. أو! والجريمة قد تكون عابرة للحدود بنقل وتنقيل وإيواء الضحايا بمعرفة الجاني. وصعوبة الجريمة أيضا أنها لا تتوفر بشأنها إحصائيات وبيانات واضحة لتحديد حجم الجريمة والنطاق الجغرافي لها، كما أن التطور الحالي في وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يعد عاملا من عوامل تفشي الجريمة، فقد تتم عن طريق أجهزة المحمول أو بالكمبيوتر، فقد تكون هذه الجريمة القاسية نتيجة وصم الضحية، وخوفه من الإبلاغ عن الجاني المستبد، الذي قد يبطش بالضحية، أو خوفا من الوصمة! ودعونا نستعرض نموذجا من نماذج الاتجار بالبشر أو استغلال البشر، وأخطرها، وهو الاستغلال المعنوي، وهو من أخطر أنماط الجريمة وإن كانت كل أشكال الاستغلال تمثل خطرا على الإنسان المتجر به. والاستغلال المعنوي قد يكون استغلال المدير لمرؤوسيه، ويأخذ هذا الاستغلال أشكالا متعددة، حيث يعتبر المدير أن المرؤوس هو عبد عنده، أو خادم فيستغله في أعمال وخدمات خاصة! أعمال تخص أسرة المدير! وكيف يقبل المرؤوس أن يتجاوز المدير مهامه التي التزم بألا يحيد عنها! كيف يقبل أن يكون من مهام عمله أن يعمل خادما لدى المدير وأسرته! واستغلال المدير للمرؤوس يعاقب عليه قانون العمل، وإن كنت أظن أن الفصل في الجريمة يعد من الصعب تحديده لأن العنصر المعنوي صعب تحديده ووصفه، مما يعني أن العدالة لن تكون ناجزة في هذه الجريمة.. جريمة الاستغلال المعنوي! جريمة الاستغلال المعنوي تترك جرحا لدى الضحية، وحالة نفسية صعبة نتيجة إحساسه بأنه مقهور وعبد لدى مديره! وأن أي اعتراض يعرضه لفقدان عمله وقوت يومه. أعتقد أن مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر مناسبة يتعين أن نلقي الضوء خلالها على جميع أشكال استغلال الضحية، ونلقي الضوء أيضا في هذه المناسبة على آليات الإبلاغ عن الجاني والعقوبات المقررة.. نلقي الضوء على التحقيقات التي تمت لمنع إفلات الجاني من العقاب.. هناك العديد من الأنشطة التي ينبغي بها أن نستثمر هذه المناسبة لنرفع الوعي بأنماط هذه الحريمة المتعددة. أعتقد أن الاحتفال يمكن أن يكون أكثر من يوم.. قد يكون شهرا كاملا يحتفل فيه العالم بمكافحة هذه الظاهرة البغيضة.. ظاهرة الاتجار بالبشر التي تعيد إلى الأذهان العبودية والرق والسخرة التي جرمها الإسلام وكل الأديان السماوية.. فلنعمل سويا نحو مكافحة الاتجار بالبشر أو العبودية المعاصرة.