تحت شعار "النمو الشامل والتنمية المستدامة" تبدأ اليوم فعاليات القمة السادسة لمجموعة البريكس في مدينة فورتاليزا البرازيلية، والتي تجمع زعماء كل من روسياوالبرازيلوالصين والهند وجنوب أفريقيا، وتستمر لمدة يومين. ومن المقرر أن تبحث القمة سبل تعزيز التعاون بين الدول الخمس في مجالات التجارة والاستثمار والتمويل والبنية الأساسية. كما تشهد القمة هذه المرة عقد لقاء غير مسبوق مع عدد من قادة دول أميركيا الجنوبية لتعزيز سبل التعاون بين بلادهم وأعضاء البريكس. غير أن أهم ما يميز تلك القمة هو إطلاق "بنك التنمية الجديد" الذي اتفق قادة البريكس على إنشائه خلال القمة الماضية، والذي ستتركز مهمته الرئيسية على تعبئة الموارد لدعم مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في دول المجموعة وغيرها من الاقتصادات الناشئة والدول النامية. ومن المنتظر أن تشهد القمة أيضا توقيع زعماء البريكس على اتفاق إطاري لإنشاء صندوق احتياطي نقد أجنبي يعادل مئة مليار دولار خاص بدول بريكس لمواجهة التقلبات المالية. كما من المنتظر أن يطرح خلال القمة اقتراح لإقامة اتحاد للطاقة داخل مجموعة البريكس، وذلك لضمان أمن الطاقة للدول الأعضاء وإجراء بحوث متكاملة وتحليل للأسواق العالمية. بنك التنمية الجديد وتمثل خطوة إنشاء بنك لمجموعة البريكس قفزة نوعية في علاقات الدول الخمس الأعضاء حيث طرحت هذه الفكرة عدة مرات في القمم السابقة إلا أنها باءت دائما بالفشل. ومن ثم فإن نجاح تلك الدول مؤخرا في التوصل إلى اتفاق بشأن إنشاء هذا البنك يعد إنجازا محسوبا لمجموعة البريكس التي تسعى لتأسيس مصرفها ليكون موازيا للمؤسسات الدولية وتدشن بذلك مرحلة جديدة من التعاون المالي بين الدول الأعضاء. ومن المقرر أن يكون رأسمال هذا البنك 50 مليار دولار توفره الدول الأعضاء بشكل متساو في غضون سبع سنوات. كما يرجح أن يفتح البنك الجديد أبوابه أمام انضمام أعضاء جدد إليه من الدول الأعضاء في الأممالمتحدة مع العلم بأن هناك اتفاقاً بين الدول الأعضاء على أن لا تقل حصة هذه الدول مجتمعة في البنك عن 55 في المئة من رأسماله الإجمالي. ولم يتم الاتفاق حتى الآن على الدولة التي ستستضيف مقر البنك حيث تتم المفاضلة حاليا بين مدينتي شنغهاي الصينية ونيودلهي الهندية. كما سيعين مدير البنك لمدة خمس سنوات فيما ستتخذ القرارات بموافقة أربع من أصل الدول الخمس الأعضاء. أما الاتفاق على إنشاء صندوق الاحتياطي، والذي من المقرر أن يبدأ العمل به العام القادم، فمن شأنه أن يسمح بتوفير مبلغ مئة مليار دولار، تقدم 41 منها الصين، و18 من روسياوالبرازيل والهند و5 من جنوب أفريقيا. ويهدف هذا الصندوق بالأساس إلى حماية اقتصاديات دول المجموعة من تقلبات أسواق الصرف أو في حالة حدوث عجز في ميزان المدفوعات. نظام جديد في مواجهة البنك الدولي ويبدو مما سبق أن دول البريكس تسعى من خلال تلك المؤسسات المالية إلى إنشاء نظامها المالي الخاص بهدف الحد من هيمنة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين تعتبر نفسها غير ممثلة فيهما بالشكل الكافي. فرغم أن فمجموعة البريكس، تمثل 40 في المائة من عدد سكان العالم وتقريبا خمس الاقتصاد العالمي، فإن ذلك لا يعكس قوتها التصويتية في المؤسستين الماليتين، كما أنها فشلت في زيادة قوتها التصويتية في تلك المؤسستين عبر زيادة حصتها المالية. واتفق عدد كبير من المراقبين على أن إنشاء هذا البنك الجديد سيؤثر بدرجة أو بأخرى على عمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، خاصة وأنه يسعى لتوفير بدائل تكون أكثر انسجاما مع وقائع البلدان الناشئة. كما رأى هؤلاء أن العنصر الحاسم في تحديد ذلك سيعتمد على قدرة البنك المالية على الإقراض والشروط التي سيقرض بها. ورجح هذا الفريق من المراقبين أن تكون تلك الشروط أفضل من شروط البنك والصندوق الدوليين، ليس فقط لأن ذلك يتلاءم مع مصالح مجموعة البريكس، بل لأنه سيكون الضامن الأساسي لقدرة البنك على جذب اقتصادات أفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض البلدان الآسيوية للتعامل معه. كما أن هذا البنك سيركز نشاطه على الاستثمار في البنية الأساسية والتنمية المستدامة في البلدان النامية، وهذا تحديدا ما تنجم دائما عنه خلافات بين البلدان النامية من جانب والبنك أو الصندوق الدوليين من جانب آخر. ووفقا لذلك فإن دخول بنك بالحجم العملاق لمجموعة البريكس على خط إقراض البلدان النامية من شأنه أن يضمن توفير موارد مالية ضخمة للاقتصادات الناشئة، بعيدا عن الهيمنة التقليدية للمؤسسات المالية الغربية، وهو ما قد يدفع البنك الدولي لإحداث تغييرات في استراتيجيته لتكون عملية الإقراض أكثر تركيزا على المشروعات الحيوية للاقتصادات الناشئة، ويتمكن بذلك من الحفاظ على مكانته الدولية. مجموعة الاقتصادات الناشئة ومجموعة دول "البريكس" عبارة عن تجمع يضم خمس دول من ذوات الاقتصادات الناشئة هي البرازيلوروسيا والهند والصينوجنوب أفريقيا. وكانت تسمى من قبل مجموعة "بريك" قبل انضمام جنوب أفريقيا إليها عام 2010 ليصبح اسمها "بريكس". وبدأت المجموعة كفكرة على يد الاقتصادي جيم أونيل عام 2001 حينما اقترح تشكيلها تعبيرا عن القوى الاقتصادية الصاعدة، إلا أن الفكرة لم تتبلور عمليا إلا عام 2009 عندما بدأ قادة تلك الدول قمتهم الأولى في روسيا. واستطاعت مجموعة "بريكس" خلال السنوات القليلة الماضية أن تصنع لنفسها مكانة وثقل شديد الأهمية داخل المجتمع الدولي. فدول البريكس هي أسرع دول العالم نموا حاليا وأقلها تأثرا بالأزمة المالية، واستطاعت اقتصادات كل من البرازيلوروسيا والهند والصينوجنوب أفريقيا أن تلعب على مدى عقود دورا رياديا في النمو الاقتصادي العالمي، فهي تمثل أكبر اقتصادات خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتعد بمثابة نادي الأغنياء بالنسبة للاقتصادات الناشئة. وفي الوقت الذي عانت منه كبرى دول العالم من تداعيات قاسية للأزمة المالية العالمية، استمرت دول البريكس في تحقيق معدلات نمو مرتفعة. وتتميز مجموعة البريكس بأنها اقتصاديات منظمة وبحجم ضخم، حيث نما الناتج الإجمالي المحلي للدول الخمس خلال السنوات ال10 الماضية بأكثر من 4 أضعاف، ويبلغ إنتاج كل من البرازيلوروسياوالصينوجنوب أفريقيا معا نحو 21.1% من الناتج الإجمالي العالمي. كما تشكل بريكس أكبر سوق في العالم حيث تستحوذ على أكثر من 15% من إجمالي التجارة العالمية وأكثر من ثلث السوق العالمي. وقد تضاعف حجم التجارة المتبادلة ضمن المجموعة خلال السنوات الخمس الماضية، وتجاوز 300 مليار دولار في عام 2013. وتختلف مجموعة "البريكس" عن غيرها من التجمعات والتحالفات والمنظمات التي شهدتها الساحة الدولية من قبل، خاصة وأنه لا يوجد رابط معين يربط بين الدول الخمس، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي. كما أنه لا يربطها نطاق جغرافي أو إقليمي، بل تأتي من أربع قارات مختلفة. كذلك فإن هناك تباينا واضحا في درجات النمو الاقتصادي ومستويات الإنتاجية بين الدول الخمس. غير أن هذه الدول الخمس ترتبط برابط هام، وهو الذي أنشئت على أساسه هذه المجموعة، ألا وهو رفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية. فأعضاء مجموعة "البريكس" يدعون إلى إنشاء نظام أكثر عدالة وتوازنا للعلاقات الاقتصادية الدولية، ويهدفون إلى وضع نظام بديل لمواجهة القيود التي يضعها الهيكل الحالي للنظام المالي والنقدي الدولي.