اليوم أصبحت على يقين كامل أن من حق المستهلك المصري أن يرفض الصناعة المحلية وما يطلق عليه "تقفيل محلي"، وأن يصرخ بأعلى صوته "ملعون أبو دي صناعة"، لأن المنتج في النهاية لا يخرج إلى المستهلك رديئا فقط بل يخرج مليئا بالعيوب والأخطاء "بايظ"، الأمر الذي يحول حياة هذا المستهلك إلى جحيم خاصة إذا كان هذا المنتج سلعة معمرة، ثلاجة أو بوتاجاز أو غسالة أطباق أو خلاط أو... إلخ. وقد استفحلت الأمور بعد أن انعدم دور الأجهزة الرقابية للدولة، ولم يعد لوزارة الصناعة أي دور في مراجعة المنتجات التي تلقى بها الشركات في الأسواق المصرية، ويشتريها المواطن ليبدأ رحلة من العذاب والتعذيب مع أوهام الضمان وخدمة ما بعد البيع ومراكز الصيانة وخطوطها الساخنة. إن تجارب المواطن المصري مع شركات السلع الكهربائية المعمرة، تعد فضيحة بكل المعايير والمقاييس، فما من شركة من تلك الشركات التي تعلن على القنوات الفضائية الخاصة والرسمية لا تمارس اللصوصية والاحتيال والنصب على المواطن من خلال منتجات تعاني من عيوب في الصناعة والتقفيل والتركيب، يشترى المواطن منتجها ليبدأ معركة تستنزفه نفسيا وماديا بين موظفي الصيانة والشكاوى وحماية المستهلك والأجهزة الرقابية، والنتيجة صفر. ولي في هذا الشأن تجربة شخصية، فقد اشتريت ثلاجة زانوسى نوفرست في أبريل 2013 ومنذ الأسبوع الأول توقفت عن التبريد تماما لأبدأ رحلة مريرة ما بين موظفي وفني الصيانة، هذا يأتي وهذا يذهب ولا جديد في الأمر، الثلاجة فيها عيوب صناعة، والشركة رأسها وألف سيف لا تغيير ولا استبدال ولا صيانة جيدة، ومنذ ذلك الوقت وحتى اللحظة أعيش بين الوقت والآخر جحيم الاتصال بالخط الساخن وانتظار الفني، يتعاملون معي باعتباري كرة قدم يتبادلونها بالأرجل. فكرت أن أذهب لأحرر محضرا للشركة التي تتبع مجموعة أوليمبك جروب، فكرت أن أحمل الثلاجة وأذهب للاعتصام بها أمام مجلس الوزراء أو وزارة الصناعة أو الداخلية أو الدفاع أو حتى قصر الاتحادية، اشتعلت غضبا عشرات المرات هنا وهناك، ولا طائل، تتصل بهذا وذاك فيعدك بالتصرف والحل، والنتيجة صفر أو كما قال الفني ذات مرة "اضرب دماغك في الحيط"، لأنه لا أحد يحاسب أو يسعى لمحاسبة مثل هؤلاء الذين يذبحون الشعب المصري في قوته ونفسه ووقته ويهدرون طعم الحياة في فمه. هذا هو ما يعيشه المواطن فيما الدولة ترعى هذه الشركات وتحميها وتدعمها وتساندها باعتبارها تستثمر في مصر، والحقيقة أنها تستثمر في دم الشعب المصري وتعمل ليل نهار على استنزاف هذا الدم، في ظل غياب فاضح للأجهزة الرقابية الرسمية الخاصة بوزارة الصناعة والاستثمار والوزارات الأخرى المنوط بها حماية المواطن. ما المطلوب من المواطن أن يفعله لكي يحمي أمواله من عبث العابثين، ليس أمامه إلا خيار واحد تفرضه عليه الدولة قبل الشركة التي يشتري منتجها، أن يبتعد تماما عن شراء أي منتج يتم تصنيعه هنا أو يتم تقفيله، فالزمن زمن الضمائر الخربة والفاسدة التي وصلت بجهلها إلى الصناعة فدمرتها.