تصاعدت الأزمة الداخلية بجماعة الإخوان المسلمين في الأردن "جبهة العمل الإسلامي"، بعد إعلان بعض المنشقين تأسيس حزب "الشراكة والإنقاذ" الذي يعد رابع الأحزاب المنفصلة عن الجماعة الأم بالأردن في السنوات القليلة الماضية، وهو الأمر الذي ردت عليه الجماعة بإعلان اعتزامها اتخاذ إجراءات "تنظيمية" ضد مؤسسي الحزب الجديد. ويعبر حزب الشراكة والانقاذ، عن حالة الانشقاق التي تعيشها الحركة الإخوانية الأردنية، وانشطار الجماعة إلى عدد من الكيانات الشرعية وغير الشرعية، واعتبر المراقبون أن استقالات من يوصفون ب"المعتدلين" تمثل امتدادا للانقسام الذي شهدته جماعة الإخوان في الأردن العام الماضي، إثر تقاسم جماعتين الادعاء بأن كلا منهما هي من تمتلك الشرعية، إلا أن جناح المراقب العام السابق للجماعة في الأردن عبد المجيد الذنيبات، لا يزال يتمتع بالوضعية القانونية. وأثارت التجربة الحزبية الجديدة الجدل في الأردن، خصوصا وأن من يقودها هو المراقب العام الأسبق للجماعة الشيخ سالم الفلاحات، الذي أعلن أن تأسيس حزب الشراكة والإنقاذ قام على أساس وطني ومدني، مشيرا إلى أن المشروع قيد التجربة ويشارك فيه العشرات من المستقلين من التيار الإسلامي وغيره. في الفترة الأخيرة بدا أن إخوان الأردن ينقسمون إلى تيارين يسمي أولهما ب"الصقور" وهو أكثر قربًا لداعمي مشروع الإسلام السياسي وجماعة الإخوان في مصر، والثاني يدعى "الحمائم" وهو يريد مراجعة أفكار الجماعة ويقترب أكثر من السلطة، ويصنف المراقب العام السابق للجماعة الفلاحات، ضمن ما يسمى تيار الحمائم، أو الوسطيين، بخلاف المراقب العام الراهن همام السعيد، الذي يصنف ضمن "الصقور". يأتي الإعلان عن حزب الشراكة والإنقاذ مؤخرًا بعد تأسيس "قيادات" سابقة العديد من الأحزاب، إذ سبق أن أعلن المراقب العام الأسبق عبد المجيد ذنيبات (71 عاما) عن تأسيس "جمعية جماعة الإخوان المسلمين" بديلا للجماعة الأم، وقامت الحكومة الأردنية بترخيصها، ما أثار خلافات كبيرة في الجماعة، لا تزال قائمة، حول مبدأ المشروعية، إلا أن الدولة تدعم "جمعية ذنيبات"، بحجة عدم ترخيص الجماعة الأم. وفي وقت سابق، تم الإعلان عن حزب المؤتمر الوطني "مبادرة زمزم" حيث قام المراقب الحالي همام سعيد، بفصل القيادي السابق الدكتور رحيل غرايبة، وآخرين، إثر إعلانهم هذه المبادرة التي رأى قادة الجماعة أنها تمثل خطوة انشقاقية، وهو ما رفضه غرايبة، ولم يعترف به، وانبثق مؤخرا عن المبادرة حزب جديد بمسمى "زمزم". وتنص اللوائح الداخلية للجماعة والحزب على فصل الأعضاء الذين يشرعون في تأسيس أحزاب سياسية، دون علم المكتب التنفيذي. ويقر سالم الفلاحات، بأن خروج هذا الحزب للعلن ما هو إلا نتيجة لتجربة طويلة للعمل الحزبي، مؤكدًا أنه لا بد من إعادة التفكير في حزب وطني برامجي مدني جامع، وأن يلتقي الناس على برنامج يتفق عليه الجميع، مشيرًا إلى أن الحزب الجديد ليس منافسا لحزب جبهة العمل الإسلامي، (إخوان الأردن) الذي استقال منه عدد من مؤسسي المبادرة الجديدة، وقال "نحن لسنا منشقين عن الجماعة ولكن يجب أن نتطور مثل الجماعة في تونس وفي مصر، فيجب أن تكون الجماعة أكبر من هذا لخدمة مشروع الأمة". ويرى كثيرون، طبقا لهذه التطورات، أن الجسم الإخواني في الأردن بات على مفترق طرق سياسي، فالخلافات في الرأي وعلى الأولويات يضع الحركة، التي تمتعت في فترات عديدة بقاعدة تأييد عريضة، في مواقف صعبة أمام مؤيديها وأمام الدولة، التي تقول إن ملف الجماعة وحزبها محل بحث قانوني. وظهر هذا الخلاف في تباين ردود الفعل داخل الإخوان بين تأييد البعض إنشاء الحزب الجديد ومعارضة الآخر، ففي وقت سابق شكك القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور عبد اللطيف عربيات، في جدوى التجربة الحزبية وتمنى لها التوفيق في الوقت نفسه، بينما أصدرت جماعة الإخوان تصريحا يلوح بتطبيق بنود اللائحة الداخلية التي تنص على فصل أي عضو يثبت انضمامه لأي تشكيل سياسي آخر، مع التأكيد على أن مرجعيات الجماعة الرسمية لا تربطها أي صلة بالحزب الذي ينوي الفلاحات تأسيسه، متوعدة بإحالة الأمر لما أسمته "الأطر التنظيمية" لاتخاذ الإجراءات ضد المخالفين، ما يؤشر إلى تفاقم النزاع داخلها، في الوقت نفسه شارك أعضاء بالجماعة الأردنية في تأسيس الحزب الجديد فيما يعرف بمجموعة "الحكماء"، والتي ضمت قيادات تاريخية وكبيرة في جماعة الإخوان، وعلى رأسهم بالاضافة للفلاحات حمزة منصور، وجميل أبو بكر، ومحمد القضاة وغيرهم، وهم يلقون تأييدا من قبل مئات الأعضاء في الإخوان والحزب. وتشير هذه الأزمة المركبة للجماعة، إلى أنها تواجه منعطفا حساسا ودقيقا، ففي الوقت الذي شاركت فيه الجماعة في الانتخابات الأردنية البرلمانية الأخيرة، وهي المشاركة الأولي منذ سنوات، وفازت فيها بتمثيل مناسب، تنذر هذه التطورات الجديدة بتغير خريطة القوى والتيارات داخل الحركة، ويفتح مستقبلها على أكثر من احتمال وتطور، قد يكون عنوانه الرئيسي تشظي وتفتت الجماعة بهيكلها المعتاد عليه لعقود عديدة مضت، وبروز واجهات سياسية عديدة ومتنوعة، تطرح نفسها كوريث شرعي للجماعة والحركة. وجاء توسيع رقعة الانشقاقات في إخوان الأردن في وقت تسود فيه حالة من التوتر في العلاقات بين جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وسلطات المملكة، فبعد ظهور الكثير من الانشقاقات في الجماعة الأم، وتشكيل جمعية أخرى منحتها السلطات ترخيصًا اعتبرت على إثره السلطات الأردنية أن الجماعة الأم باتت غير قانونية، صادرت السلطات الأردنية مجموعة من ممتلكات الجماعة؛ في إجراء أظهر وصول العلاقة بين الجماعة والحكومة الأردنية إلى مرحلة من التوتر. وبالرغم من الصمت الحكومى اتجاه التطور الأخير بإنشاء حزب جديد من إخوان الأردن، يؤكد مراقبون أن هذا الأمر يأتي في صالح السلطات الأردنية، فبالإضافة إلى أن مؤسسي الحزب تربطهم علاقات جيدة بالسلطة على خلفية أنهم من فصيل الحمائم، فإن المراقبين يؤكدون أن هذه الخلافات ستؤثر على أجواء الارتياح التي تعيشها الجماعة بعد تمكنها من تشكيل كتلة برامجية صلبة في البرلمان إثر قرارها المشاركة في الانتخابات الأخيرة .