في مشهد يوحي بتأزم وضع جماعة الإخوان المسلمين بالأردن، أغلقت السلطات الأمنية المقر الرئيسي للجماعة في العاصمة الأردنية، الأمر الذي رآه كثيرون يمثل مشهدًا جديدًا في علاقة الجماعة بالمملكة، والتي لم تصل منذ نشأة الجماعة في الأربعينيات إلى هذا الحد. وتسود حالة من التوتر في العلاقات بين جماعة الإخوان المسلمين في الأردن والسلطات في الفترة الأخيرة، لا سيما بعدما ظهر الكثير من الانشقاقات في الجماعة الأم، وتشكيل جمعية أخرى منحتها السلطات ترخيصًا يحمل اسم الإخوان المسلمين في مارس 2015، تضم مفصولين من الجماعة، الأمر الذي اعتبرت على أثره السلطات الأردنية أن الجماعة الأم باتت غير قانونية؛ لعدم حصولها على ترخيص جديد بموجب قانون الأحزاب والجمعيات الذي أُقر في 2014، وأن الجماعة الجديدة هي من ستقود في الفترة المقبلة. يقول جميل أبو بكر، القيادي المسؤول في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، إن الشرطة أغلقت المقر الرئيسي للجماعة، وهي أكبر حزب سياسي معارض في البلاد بدون أسباب، فيما نقلت صحيفة الغد الأردنية على موقعها الإلكتروني عن مصدر رسمي قوله إن الخطوة جاءت على اعتبار أن الجماعة «غير مرخصة». الأسباب صادرت السلطات الأردنية في يونيو الماضي مجموعة من ممتلكات الجماعة؛ في إجراء أولي أظهر وصول العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة الأردنية إلى طريق مسدود. وقالت الحكومة الأردنية إنها لن تتعامل إلا مع جمعية الإخوان التي يترأسها مراقب الجماعة السابق عبد المجيد الذنيبات، مؤكدة على لسان الناطق باسمها محمد المومني أن هذه الجمعية حققت كافة الشروط، وبالتالي فهي تمتلك السلطة الاعتبارية القانونية. وأرجع كثيرون تصعيد الحكومة الأردنية تجاه جماعة الإخوان في الفترة الأخيرة إلى عدة أسباب، أهمها أن الجماعة استغلت مجريات "الربيع العربي" في المنطقة لصالحها وصعود التيار الإسلامي، وعاشت حالة غير مسبوقة من قوة دفعتها إلى مناكفة الدولة ومقاطعة الانتخابات النيابية، رغم محاولات الحكومة آنذاك التصالح مع الجماعة. وبعدما سقطت جماعة الإخوان في مصر وعدد من الدول، بدأت الحكومة الأردنية في رد الاعتبار، وهو ما تمثل في حالة التذبذب التي تشهدها الجماعة في الفترة الأخيرة. باتت الجماعة تتلقى ضربة تلوى الأخرى.. بدأت بانشقاق قيادات كبيرة وتأسيس ما يعرف بمبادرة "زمزم"، ثم منح الحكومة ترخيصًا لقيادات منشقة من الجماعة، وحبس نائب المراقب العام زكي بني أرشيد على خلفية إساءته لدولة الإمارات، وحظر أنشطة الجماعة على الساحة المحلية، إضافة إلى منع إجراء انتخابات مجلس الشورى، حتى القرار الأخير المتعلق بإغلاق مقرين للجماعة في عمان وجرش. في الوقت نفسه جاءت الأسباب الرسمية الحكومية أن "الدولة تتعامل مع ملف الجماعة وفق شكاوى تقدمت بها الجمعية المرخصة التي تعتبر الممثل الشرعي والقانوني للإخوان في الأردن". من جانبه اعتبر وزير الإعلام والناطق الأسبق باسم الحكومة سميح المعايطة أن إدارة الجماعة خلال الربيع العربي لم تكن موفقة، وتعاملت بفوقية واستعلاء على الدولة. ويرى المعايطة أن إغلاق مقرات للجماعة وما تعانيه من أزمات هو استحقاق إداري وقانوني؛ لعدم ترخيص الجماعة لنفسها، ولوجود ممثل قانوني باسم جمعية جماعة الإخوان المسلمين، التي تم ترخيصها وفق قانون الأحزاب والجمعيات الأردنية. ودفعت الجماعة ثمن خلافاتها الداخلية والانشقاقات التي عصفت بصفوفها، حيث اكد مراقبون أن "نرجسية الجماعة وتوهمها ومناكفتها للدولة أوصلتها لطريق مسدود، خاصة بعدما قرر الأمين العام للجماعة فصل كل من يثبت اتصاله مع الدولة لتصويب الصفة القانونية للتنظيم"؛ في محاولة للتهرب من اختراقات حكومية. ردود أفعال من جهته قال المحامي عبد القادر الخطيب لوكالة فرانس برس إن "قرار غلق مقر جماعة الإخوان هو سياسي بامتياز؛ ليتماشى مع ما يجري في المنطقة. والهدف منه في هذا الوقت التأثير على الانتخابات القادمة ونتائجها، بعد التلميح باحتمال مشاركة الجماعة". في المقابل وصف المراقب العام السابق للجماعة الأم، سالم الفلاحات، في تصريحات صحفية، الإغلاق بأنه "نتيجة متوقعة مع غياب النهج الديمقراطي في البلاد". كما قالت الكاتبة الإسلامية، ربا كراسنة، إن "إغلاق مقار الإخوان عودة للأحكام العرفية، حيث تتغول السلطة التنفيذية على القضائية"، بل ترى أن ما يجري "عبث باستقرار المملكة، الذي ساهم الإسلاميون في الحفاظ عليه على مدى العقود الماضية". وفيما يتعلق بقانونية الجماعة والترخيص لها، قال الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين إن "الجماعة ليست حزبًا سياسيًّا. ونحن لدينا وجود شرعي في الأردن منذ سبعين عامًا.. وجودنا واقعي في المجتمع الأردني، والكل يعرف ذلك، ولدينا حضور في الأوراق الرسمية". وأضاف المتحدث أن "جلالة الملك عبد الله استقبل وفدًا من الجماعة قبل ثلاث سنوات، ولدينا تواصل مع الجانب الرسمي". صعود تيار الحمائم بموافقة الحكومة كل هذه التحركات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الأردنية ضد جماعة الإخوان في الأردن تشير إلى أن السلطات باتت عازمة، ولو بخطوات تدريجية، على إغلاق كافة مقار الجماعة التاريخية؛ وذلك لقطع الطريق عليها مستقبلًا في كافة الاستحقاقات السياسية، فاتجه المجال والطريق إلى المنشقين المعروفين بفصيل الحمائم في الجماعة، بأن يكونوا الممثل الشرعي للإخوان في البلاد. فعلى الرغم من أن سمة تعاطي الحكومة الأردنية مع الإخوان منذ نشأتها كانت الاستيعاب، إلا أن مستجدات الأحداث وسطوع نجم الإخوان في دول عربية بعد الربيع العربي وضع الحركة في الأردن تحت الضوء بقوة، حيث دخل إخوان الأردن حالة من الاستعلاء الحقيقي، وهم يرون مرجعيتهم الأم في مصر على رأس السلطة، وعندما سقطت الجماعة في مصر، تحولت الجماعة إلى حركة مطاردة ومنبوذة شعبيًّا إلى حد كبير. هذا التذبذب في المشهد الذي ضرب الجماعة فتح ملفات كثيرة داخل الجماعة؛ ليطفو على السطح الخلاف بين الصقور والحمائم بالجماعة، حيث طلب قياديون، وعلى رأسهم المراقب العام السابق للجماعة عبد المجيد ذنيبات، من الحكومة إعادة ترخيص حركة الإخوان المسلمين من جديد؛ لتجنيبها الحظر والملاحقة والأمنية والقانونية؛ أسوة بالجماعة الأم في مصر، الأمر الذي اعتبرته قيادة الجماعة تهديدًا وجوديًّا، وفصلت كل القيادات المشاركة في تلك الخطوة، قبل أن تفاجأ بموافقة الحكومة على طلب المنشقين عن الجماعة. هذا الأمر استغلته الحكومة الأردنية لتفكيك الحركة ذاتيًّا، بالاعتماد على الأدوات الداخلية والخلافات العميقة التي تعيشها الجماعة بين تيار متشدد متهم من داخل جسم الجماعة بأنه تيار إقصائي، ويطبع الجماعة الأم في مصر، وتيار تدعمه الحكومة، ويقدم نفسه على أنه أكثر انفتاحًا وقربًا من الأردنيين، وأنه لن يتعامل من تحت الأرض. وهو ما فسره مراقبون بأنه نجاح من السلطات الأردنية في تحجيم دور الجماعة وحصر نشاطها، بحلحلة الخلافات الداخلية وإضعافها؛ لعدم تعبئة المتعاطفين مع الإخوان ضد الحكومة في حال إيقاف نشاطات الجماعة الأم.