تشهد جماعة الإخوان المسلمين في البلدان العربية تصدعات موجعة عقب ثورات الربيع العربي، ولم يكن إخوان الأردن بعيدين عن هذه التصدعات، لا سيما وأن التنظيم يرتبط ارتباطًا كليًّا بنشاط الجماعة الأم في مصر، التي سقطت بعد ثورة 30 يونيو. لكن تطورات حدثت مؤخرًا فكت من خلالها الجماعة بالأردن ارتباطها بإخوان مصر؛ مما يثير عدة تساؤلات، أبرزها: ما هي أزمة إخوان الأردن؟ وما تداعياتها على الجماعة الأم في مصر؟ وهل للحكومة الأردنية دور فيها؟ ظلت الجماعة بالأردن خلال العقود الماضية، رغم الخلافات الكثيرة، تحافظ على سرية أزماتها وخلافاتها، ولم تخرجها للعلن. لكن خلال العامين الماضيين كان واضحًا خروج هذه الخلافات إلى السطح، لا سيما بعد الانشقاقات التي أصحبت تؤثر على مستقبل التنظيم، في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات وتغيرات سياسية سريعة. وبالنظر إلى تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، التي تأسست عام 1945 بالتنسيق مع الإخوان المسلمين في مصر، بمبادرة من عبد اللطيف أبو قورة، ظل التنظيم في الأردن مختلف نسبيًّا عن نظرائه في البلدان العربية الأخرى؛ إذ إن العلاقة بين الإخوان والنظام الملكي في عمان طيلة العقود الماضية لم تشهد تدهورًا بنفس درجة السوء التي وصلت لها علاقة الإخوان بالأنظمة العربية الحاكمة الأخرى، فمعظم قيادات التنظيم ومراقبيها في عمان ينتمون إلى قبائل شرق الأردن، الأمر الذي أبقى دومًا على نوع من العلاقات الودية مع النظام الحاكم، حيث لم يحدث في أي فترة منذ تأسيسها إلغاء تصريح الجماعة، وطالما حرص النظام دومًا على عدم إبعاد الإخوان عنه كليًّا، مُبقيًا على خيط يربطه به، وذلك من خلال عدم حرمان الجماعة من دخول مجلس النواب، كما أنهم شاركوا في فترات كثيرة بالحكومة، فضلًا عن أن الملك الأردني كان دائمًا ما يعين أحد أبرز قيادات الإخوان الذين ينتمون لقبائل شرق البلاد في مجلس الأعيان الأردني المشكل من قِبَل الملك. وفي الأوساط المحلية بالأردن تنقسم الجماعة إلى قسمين: أحدهما حمائم، والآخر صقور. ويعرف تيار الحمائم بقيادات الجماعة التي تنحدر من القبائل المقربة من النظام الأردني، وأبرزهم عبد المجيد ذنيبات وسالم الفلاحات، بينما يتشكل تيار الصقور من ذوي الأصول الفلسطينية، مثل همام سعيد مراقب الجماعة الحالي، وزكي بن إرشيد.وبهذا الشكل ظلت الجماعة تشهد حراكًا وصراعًا داخليًّا، يفصل فيه مجلس شورى التنظيم بالأردن والجماعة الأم في مصر، حتى عام 2008، الذي شهد تحولًا كبيرًا، عندما انتقل الخلاف إلى العلن، بعد تولي المراقب العام الحالي للجماعة، همام سعيد، قيادة الجماعة عام 2008. سعى همام ومعه زكي بن إرشيد، الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي، والنائب الحالي للمراقب العام، لفرض سيطرتهما على الجماعة والحزب، بشكل أثار استياء قيادات تيار "الحمائم" داخل الجماعة، حتى بدأت التطورات، التي حدثت في المنطقة بعد ثورات الربيع العربي، التي كانت فرصة لظهور الجماعة على الساحة الأردنية والاستفادة منها سياسيًّا، إلا أنه يرى مراقبون أن فشل الجماعة في الاستفادة من الحراك الشعبي والشبابي، إبان موجة الربيع العربي، انعكس على الوضع الداخلي للجماعة، وهو ما دفع قيادات عديدة إلى المطالبة بالإصلاح الداخلي، وتغيير الخطاب السياسي والإعلامي للجماعة. تُرجِمت هذه المطالب في إطلاق عدة مبادرات قادها تيار الحمائم في محاولة لإعادة تموضعهم مرة أخرى في الجماعة؛ بزعم إصلاحها بالأردن، وبرعاية من المملكة الهاشمية، وقاد واحدة من هذه المبادرات الدكتور إرحيل غرابية، رئيس الدائرة السياسية في جماعة الإخوان، ومعه القياديان نبيل الكوفحي وجميل دهيسات، والتي أسموها ب "المبادرة الأردنية للبناء"، وتُعرَف في الإعلام بمبادرة "زمزم". وعلى الرغم من عدم إعلان هؤلاء انشقاقهم عن التنظيم، إلا أن الجماعة عقدت محاكمة داخلية لهم وفصلتهم. في العام الماضي ظهرت الخلافات بشكل واضح، حتى خرجت الأزمة الداخلية إلى العلن، بعد تقدم عبد المجيد ذنيبات، الأب الروحي لتيار الحمائم في الجماعة، وعدد من الشخصيات المتفقة معه، بطلب وافقت الحكومة الأردنية عليه؛ لتصويب الوضع القانوني للجماعة، تحت إشراف هيئة قيادية مؤقتة تدير المرحلة الانتقالية، مكونة من الذنيبات وعدد من القيادات المتوافقة معه، الأمر الذي ترتب عليه خلاف قانوني على المقرات والممتلكات بين قيادات الجماعة المنشقة (الحمائم) والصقور. لا يبتعد القرار الأخير بتعديل اللائحة الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين عن مشهد الأزمات الداخلية التي تضرب إخوان الأردن. وهناك من يرى أن اتهام تيار الحمائم المنشق عن إخوان الأردن لتيار الصقور بأنه يحمل أجندة غير أردنية، ويسعى إلى ربط الجماعة بالخارج، خاصة بالجماعة الأم في مصر، هو الذي جعل الجماعة تعلن عن فك الارتباط عن جماعة مصر، بالإضافة إلى أن قرار فك ارتباطها عن إخوان مصر جاء إرضاء للسلطة الأردنية، بعدما وصلت العلاقة مع الحكومة الأردنية إلى درجة عالية من التوتر والاحتقان مؤخرًا، على خلفية محاولة الجماعة ركوب موجة ثورات الربيع العربي وتحقيق مكاسب خاصة بها، وهو ما أثار غضب الإدارة الحاكمة بالمملكة؛ لذا فإن القرار الأخير يعتبر رغبة من الجماعة في تحسين علاقتها مع النظام الحاكم مرة أخرى.