تلوح أزمة اقتصادية في سماء السعودية، تواجهها المملكة بالتقشف، حيث أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز، الاثنين الماضي، عددا من الأوامر تقضي بخفض رواتب ومزايا الوزراء وأعضاء مجلس الشورى وخفض مكافآت الموظفين في القطاع الحكومي، ضمن الجهود الرامية لضبط الإنفاق بعد تراجع عائدات النفط. وتنص الأوامر الملكية التي نشرتها وكالة الأنباء السعودية على خفض راتب الوزير ومن في مرتبته بنسبة 20%، وخفض مكافأة أعضاء مجلس الشورى بنسبة 15%، وخفض الإعانة السنوية لأعضاء مجلس الشورى لأغراض السكن والتأثيث بنسبة 15% أيضا. وتقضي الأوامر أيضا بخفض بنسبة 15% للمبلغ الذي يصرف لأعضاء مجلس الشورى عن قيمة السيارة وما تتطلبه من قيادة وصيانة في فترة العضوية البالغة أربع سنوات، وخفض عدد من المكافآت والمزايا لجميع العاملين بالقطاع الحكومي من السعوديين وغير السعوديين. وشملت القرارات الملكية وقف العلاوة السنوية في العام الهجري 1438، ويطبق ذلك على كل العاملين بالقطاع الحكومي من السعوديين والوافدين، وعلى العاملين بالقطاع العسكري باستثناء الجنود المشاركين في العمليات قرب الحدود الجنوبية وخارج البلاد، وأمر الملك أيضا بخفض الحد الأعلى لبدل ساعات العمل الإضافي إلى 25% من الراتب الأساسي في الأيام العادية، وإلى 50% في أيام العطلات الرسمية والأعياد. وسيتم خفض إجمالي فترات الانتداب لموظفي الدولة ليصبح ثلاثين يوما في السنة المالية الواحدة، مع وقف صرف بدل الانتقال الشهري للموظف خلال فترة الإجازة، ويعمل بهذه القرارات من نهاية العام الهجري الحالي الذي سيوافق أول أكتوبر المقبل. ويقدر محللون أن أجور العاملين في القطاع الحكومي تستحوذ على 50% من ميزانية السعودية، ويمثل البدل في القطاع الحكومي ما يبلغ 30% من دخل الموظف السعودي. تراجع الاقتصاد السعودي تراجعت إيرادات السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، جراء انخفاض أسعار النفط بأكثر من 50% منذ عام 2014، وسجلت المملكة عجزا في الموازنة قدره 98 مليار دولار العام الماضي، كما أظهرت البيانات الرسمية في يوليو الماضي أن المملكة سقطت في هوة الركود للمرة الأولى في الثمانينيات، وخفضت الإنفاق الحكومي الذي جاء نتيجة انخفاض أسعار النفط. واليوم، لنفس السبب، تواجه السعودية أزمة اقتصادية، خاصة في قطاع البناء والتشييد، الذي يعتمد على مشاريع البنية التحتية التي تمولها الدولة، ما أدى إلى تدهور أوضاع العمال الأجانب، وتقطعت بهم السبل بعدم وجود أجور، لم يحصلوا عليها منذ ثمانية أشهر، وأفاد الملحق في سفارة باكستان في الرياض أول أمس، أن مئات العمال الباكستانيين سيغادرون السعودية هذا الأسبوع من دون أن يقبضوا رواتبهم، وهؤلاء جزء من أكثر من 6500 باكستاني يعملون في "سعودي أوجيه" ولم يتلقوا رواتبهم منذ تسعة أشهر على الأقل. وكان آلاف من الهنود والفلبينيين يعملون لحساب هذه المجموعة غادروا المملكة في الأشهر الأخيرة من دون قبض رواتبهم. ويرى مراقبون أن أزمة السعودية الاقتصادية الناتجة عن تدهور أسعار النفط، تزداد سوءًا بعد حروبها العبثية في المنطقة؛ فالصفقات التسليحية التي أبرمتها المملكة ازدادت خلال الفترة الماضية، خاصة في ظل التوترات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، وعلى رأسها الأزمة السورية والحرب السعودية في اليمن، ففي العام الماضي، قالت وزارة الحرب الأمريكية "البنتاجون، إن الحكومة وافقت على بيع تسع طائرات هليكوبتر "بلاك هوك" من طراز "يو.إتش-60إم" إلى السعودية بنحو 495 مليون دولار. وقبل أيام، وافق الكونجرس الأمريكي على تمرير صفقة عسكرية للسعودية بقيمة 1.15 مليار دولار، كما أن بريطانيا باعت للرياض معدات عسكرية بقيمة تجاوزت 3 مليار دولار، الأمر الذي من شأنه استنزاف الخزانة السعودية. ويعتقد مراقبون أنه حال استمرت الرياض على هذا النهج، فإنها ستكون أقرب للتجربة الجزائرية؛ فالجزائر البلد الغنية بالنفط بعدما اتخذت تدابير تقشف في الثمانينيات، جاءت التدابير على الحكومة بنتائج عكسية، ما أثار احتجاجات واسعة، وساعد في فوز حزب المعارضة الإسلامية في البلاد، ودخلت الجزائر في دوامة عنف لأكثر من عشر سنوات.