استمرار للمشهد السياسي المعقد في ليبيا خلال الفترة الماضية، تتصاعد حدة النزاعات والخلافات بين الفرقاء السياسيين أعقاب سيطرة الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على موانئ تصدير النفط في منطقة الهلال النفطي، حيث أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي أمس، عن تولي المجلس جميع السلطات التشريعية مؤقتا، ودعا في بيان أعضاء مجلس النواب إلى الانضمام إليه، في خطوة اعتبرها البرلمان الليبي انقلابا على الشرعية؛ لأنه السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد. ويعتبر مجلس الدولة كيانا استشاريا منبثقا عن الاتفاق السياسي الموقع بين أطراف الحوار الليبي في 17 ديمسبر من العام الماضي، لكنه ظل مثار خلاف بين مختلف الأطراف حول طبيعة تكوينه، واعتبار عقد جلساته وانتخاب السويحلي لرئاسته خرقا للاتفاق السياسي الليبي. وطالب السويحلي في بيانه أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بدعوة جميع القوات التابعة له لتأمين المناطق الواقعة تحت سيطرتها وبخاصة العاصمة طرابلس، والتصدي بكل حزم لأي محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار فيها، مبررَا خطواته التي وصفت بانقلاب تشريعي، بأنها رد على الدعم والتغطية السياسية التي يوفرها رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وأعضاء من المجلس لما وصف بأنه انقلاب عسكري معلن منذ مايو 2014، في إشارة إلى عمليات الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر. بيان المجلس الذي يعد استشاري، بحسب اتفاق الصخيرات، ويرأسه السويحلي القريب من جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، والذي اختاره أعضاء سابقين بالمؤتمر الوطني العام المنتهي ولايته لرئاسة المجلس، رفضه مجلس النواب؛ حيث صرح عقيله صالح بأنه انقلاب على السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد، مؤكدًا أن المجلس يعد الجهة الشرعية في البلاد بموجب الفقرة العاشرة من المبادئ الحاكمة الواردة في اتفاق الصخيرات، كما يعد خرقا واضحا للمواد الثانية عشرة والثالثة عشرة أيضا. وأضاف عقيلة أن هذا التطور يعد تصعيدًا لأزمة الوطن، ولا يساعد على استكمال الحوار ويهدد مصيره، كما أنه لا قيمة فعلية له ولذلك «فإننا نطالب الجميع بعدم الاعتداد به أو الالتفات له، كما أننا نطالب المجلس الرئاسي عدم التعامل بما يصدر ممن كتب وأعد هذا البيان، ونطالب البعثة الدولية أن يكون لديها موقف واضح من هذا الخرق وكذلك كل الدول الراعية للحوار». وبحسب المحللين، جاءت التطورات من جانب مجلس الدولة ردًا على سيطرة الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر المرقى مؤخرًا لمشير من قبل مجلس النواب على منطقة الهلال النفطي، حيث أثارت هذه التحركات الأخيرة ردود أفعال غاضبة من قبل الطرف الآخر المتمركز في طرابلس بعدما صارت لحفتر الكلمة العليا على الموارد النفطية، الأمر الذي سيساعده في نظر مراقبين على فرض شروطه وتعزيز مركزه. ويبدو أن إخوان ليبيا تلقفوا بيان السويحلي وكأنه الطريق والسبيل الوحيد للدخول إلى المشهد السياسي مرة أخرى بعد سيطرة قوات حفتر على الهلال النفطي، حيث بارك عبد الرزاق العرادي، القيادي فى الجماعة والرجل الثاني فى حزب العدالة والبناء، إعلان مجلس الدولة الاستشاري تولي السلطة التشريعية فى البلاد حتى انعقاد مجلس النواب، قائلا: مجلس الدولة يبادر لسد الفراغ ويتولى قيادة السفينة لإنقاد الاتفاق والتصدي للانقلاب العسكري، على حد وصفه. وكان العرادي الذى وصف بأنه أحد عرابي عملية فجر ليبيا التابعة لحكومة طرابلس سابقًا، قال قبل بيان مجلس الدولة، إنه على المجلس إصدار بيان يحدد أمد التزام مجلس النواب بكل بنود الاتفاق أو يعلن وفاته، في إشارة منه لما سيحدث لاحقاً، وقد حدث بالفعل. يقول الكاتب الصحفي الليبي جيزال محمد: «يبدو أن إسلاميي ليبيا، الإخوان والجماعات المسلحة المؤيدة لهم، كانوا ينتظرون خطاب الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني، الذي وصف فيه سيطرة قوات الجيش الليبي على الموانئ النفطية بالاحتلال، ليخرجوا اليوم ويعلنوا انقلابهم على الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات منذ أكثر من ثمانية أشهر. وأكد محمد أن سيطرة الجيش الليبي بقيادة حفتر على الهلال النفطي الأسبوع الماضي، قلب موازين القوى لصالح حكومة عبدالله الثني ومجلس النواب الرافض للاتفاق السياسي على شكله الحالي، مشيرًا للواقع الميداني الذي تفرضه قوات حفتر على الأرض حيث سيطرة الجيش على عدد من المناطق، الأمر الذي أثار مخاوف التيار الإسلامي ودفعهم لشن ضربات استباقية على تمركزات للواء الثاني عشر، معززا التابع للجيش الليبي المتمركز في منطقة الجفرة، لكنهم أخطأوا الهدف ليصيبوا منتزها، الأمر الذي أدى إلى مقتل مدنيين عزل. وفي تطور لاحق، أعلن الصادق الغرياني، مفتي الديار الليبية، الذي عزله مجلس النواب سابقا، عن وجود وثيقة وصفها بالدستورية تدعو إلى تشكيل مجلس أمة لقيادة البلاد، من دون أن يكشف عن مصدرها، قال الغرياني، الشخصية الدينية التي تتعرض لانتقادات حادة نتيجة لتدخلاتها في الشؤون السياسية وتحريضها على الحسم العسكري مع الخصوم: "اجتماعات بعض الخيرين خلصت إلى وثيقة دستورية محكمة لتشكيل مجلس للأمة لقيادة البلاد تحفظ حقوق الثوار وتشكيل حرس وطني وحكومة وعلى الثوار دعمها". فيما أكدت بوابة إفريقيا الليبية في تقرير لها، أن تصريحات المفتي المعزول الصادق الغرياني وعدد من الشخصيات المحسوبة على التيار الإسلامي تؤكد أن الإسلاميين بصدد تجميع قواتهم وترتيب تحالفاتهم استعدادا لخوض معارك مع قوات الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر. وكان أول رد فعل دولي على بيان مجلس الدولة وتصريح رئيسه عبدالرحمن السويحلي مضادا وسلبيا، حيث قال السفير البريطاني لدى ليبيا، في تغريدة له على «تويتر» إن المادة 12 من الاتفاق السياسي الليبي تقول إن مجلس النواب هو السلطة التشريعية للدولة، وإن الاتفاق السياسي واضح في مبدأ الفصل بين السلطات. ويري عدد من المراقبين أن ليبيا تذهب فعليًا إلى المجهول، فلا يعلم أحد مستقبل الصراع الليبي بعدما صار كل طرف بالأزمة يتحرك وفقًا لمصالحة السياسية والإقليمية، حيث بات واضحًا انتشار وتعدد الجماعات المسلحة، الأمر الذي يهدد ليبيا ويحصر مستقبها السياسي والاقتصادي في الفوضى المسلحة.