تشهد العلاقات الروسية الآسوية تقدمًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، لاسيما في ظل مساعى موسكو إلى إحياء عالم متعدد الأقطاب، فتحاول منذ فترة تحسين وتعزيز أواصر علاقتها مع الدول القوية في مواجهة الهيمنة الأمريكية على الدول الآسوية، وفي هذا الإطار تولي روسياالهند وضعًا خاصًّا، تسعى من خلاله إلى تطوير العلاقات بين البلدين في كافة المجالات وبشكل مستمر. في المقابل تنظر الهند إلى موسكو على أنها قاطرة المستقبل السياسي والاقتصادي، فيقول رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي في إحدى المباحثات التي جمعته مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين: "حين أنظر إلى المستقبل أرى روسيا شريكًا مهمًّا من أجل التحول الاقتصادي للهند، ومن أجل عالم متوازن ومستقر ومتعدد الأقطاب". وفي ضوء هذا التلاقي في الرؤى والرغبة المشتركة في تعزيز العلاقات، بنى الجانبان خلال السنوات الماضية شراكة استراتيجية تميزت بطابعها الجامع لكل القضايا، شاملة العلوم والتكنولوجيا وعلوم الفضاء والدفاع والطاقة النووية والهيدروكربونات والتجارة والاستثمار والتعاون الثقافي. ممر تجاري جديد وتبحث روسياوالهند إنشاء ممر أخضر تجاري؛ لتسهيل عبور البضائع والسلع بشكل سلس؛ بهدف زيادة التبادل التجاري بين البلدين، كما ذكرت صحيفة "إيكونوميك تايمز" الاقتصادية الهندية. واقترحت دائرة الجمارك الاتحادية الروسية تخفيف الإجراءات الجمركية وإنشاء الممر، خلال لقاء جمع بين ديمتري روجوزين نائب رئيس الوزراء الروسي، ووزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج. وقال مصدر مطلع على حيثيات المشروع إن "الميزة الرئيسية للممر هي أن البضائع التي يجري نقلها من قبل رجال الأعمال لن تضطر إلى الخضوع لتفتيش الجمارك والفحص عند عبور الحدود، والتدابير الحالية تستخدم عادة للحد من المخاطر". وذكرت قناة "روسيا اليوم" الإخبارية الروسية أن الممر سيسمح لرجال الأعمال أو الشركات والبضائع من روسياوالهند بالإعفاء من التفتيش الجمركي، كما سيكون لهم مفتش خاص في محطة الجمارك. المعاملات التجارية بالعملات المحلية وفي ضوء تسهيل حركة التجارة بين البلدين تدرس الهندوروسيا إتمام المعاملات التجارية بالعملات المحلية الوطنية، لاسيما في القطاعات ذات الأولوية مثل الزراعة والأدوية والمجوهرات والمعدات التقنية والآلات والنفط والغاز والمنسوجات، ومن جهتها تدرس روسيا إمكانية المشاركة في برنامج "صنع في الهند" الهادف إلى تحويل الهند لمركز تصنيع عالمي، لاجتذاب الشركات المحلية والأجنبية للتصنيع في الهند، بينما ترغب الهند في المشاركة في تطوير مناجم خام للحديد والفحم في روسيا، بهدف إيصال الاستثمارات الهندية في هذا القطاع إلى 15 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة. تعاون عسكري ونووي عسكريًّا شهدت الفترة الأخيرة تعاونًا غير مسبوق، فخلال زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي لموسكو في ديسمبر الماضي، وقع عددًا من الاتفاقيات الدفاعية والطاقة النووية بمليارات الدولار، كما طلبت الهند من الجانب الروسي بيع خمس بطاريات من أنظمة الدفاع الجوي الروسية S-400، وهي أكبر صفقة أسلحة بين البلدين منذ عشر سنوات. نوويًّا دشنت روسيا أول مفاعل نووي في محطة كهرباء «كودانكولام» الهندية في يونيو من العام الماضي، وقال الرئيس بوتين إن بلاده ستكمل بناء مفاعل آخر في غضون أسابيع، مؤكدًا أن روسيا ستبني ستة مفاعلات نووية في الهند في غضون 20 عامًا، وتابع مودي الحديث عن التعاون النووي بين الطرفين، قائلًا: عدد المفاعلات النووية التي بناها الروس في كودانكولام وموقع آخر سيزداد في نهاية المطاف إلى 12. وخلال الزيارة الأخيرة وقعت روسياوالهند اتفاقات لتوطيد التعاون بينهما في مجال الطاقة والدفاع، حيث ستنتج روسياوالهند معًا طائرات هليكوبتر متعددة المهام من طراز «كاموف-226»، وستكون أول مشروع واسع النطاق في مبادرة الحكومة «صنع في الهند»، التي تهدف إلى تشجيع الشركات المحلية والأجنبية على التصنيع في الهند. يأتي ذلك في الوقت الذي تسعى فيه نيودلهي إلى تحديث قواتها المسلحة وبناء صناعة نووية، وتبحث موسكو أيضًا عن استثمارات وفتح أسواق جديدة في القارة الآسيوية، تضخ من خلالها دماء جديدة تكفي لتعويضها عن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية عليها. التبادل التجاري يبلغ حجم التبادل التجاري بين موسكوونيودلهي نحو 10 مليارات دولار، بينما حدد البلدان زيادته ثلاثة أضعاف خلال السنوات العشر المقبلة، إضافة إلى البدء في مشاريع استثمار كبيرة، كما وقعت كل من شركة «روس نفط» الروسية والشركتان الهنديتان «Oil India Limited» و«Indian Oil Corporation Limited» مذكرة تفاهم حول مسائل التعاون في مجالات البحوث الجيولوجية وأعمال الاستكشاف والتنقيب واستخراج الهيدروكربونات في الجزء البري من أراضي روسيا الاتحادية، كما اتفقت شركتا «روس نفط» و«إيسير» الهندية على توريد النفط بمعدل 10 ملايين طن سنويًّا خلال 10 أعوام.