الكفر والفسق والبدعة والزندقة والشرك، كلها تُهم تؤجج الكراهية وتحض على القتل، بلغت في التراث الذي خلّفه ابن تيمية رقما مهولا يجعلنا نقف في حيرة من أمرنا، أهذا حقًّا دين!؟ أهذا حقًّا موروث إنساني يجب المحافظة عليه!؟ أهذا حقًّا إنسان سويّ!؟ أم شخص ربما أصيب بداء في عقله ثم لم يلبث أن دعا إلى هذا المرض، حتى يصبح الجميع مرضى!! الشيخ "ابن تيمية الحراني" المتوفى في القرن الثامن الهجري، يُعدُّ الإمام الأول، والمرشد الأعلى لدى أغلب الجماعات المتطرفة، ومؤلفاته هي الدستور المُحتكم إليه لدى تلك الجماعات حتى نعتوه ب"شيخ الإسلام" وحيد عصره وفريد دهره…! من يتتبع تراثه يجد جملة من الأحكام التي صدرت ردًّا على أسئلة موجهة إليه ك"الفتاوى الكبرى" المعروف ب"مجموع الفتاوى"، أو "الفتاوى المصرية"، ومختصرها، أو مؤلّفات مخصوصة لمسائل منثورة، وليست مؤلّفات منهجية كما كان الحال بين أبناء عصره من أتباع المذاهب المعهودة. [يستتاب فإن تاب وإلا قُتل]. ذكرها في 193 موضع من كتبه هي الإجابة المفضّلة عند ابن تيمية في مسائل من الفروع لو تركها الإنسان لم يكن عليه لوم لكنه عند ابن تيمية مستحق لعقوبة القتل! أمثال تلك المسائل –على سبيل المثال لا الحصر: في معرض الكلام عن النية في العبادات وأحكامها ومسألة الجهر بها هل هي مشروعة أم لا؟، استفاض في الكلام حولها وحكم على من جهر بها وأصرّ على الجهر أن يُستتاب وإلا استحق القتل، يقول في: [والجهر بهَا وتكريرها منهى عَنهُ وفاعله مسيء وَإِن اعتقده دينًا فقد خرج عَن إِجْمَاع الْمُسلمين يعرف ذَلِك فَإِن أصرّ قُتِل وَيجب تَعْرِيفه ذَلِك] اه. [مختصر الفتاوى المصرية (ص: 10)]. وفي موطن آخر وهو يتحدث عن أحكام زيارة قبور أولياء الله، وأنّ بعض العوام يُسميّه حجًّا مجازًا يقول: "من يسافر إلى زيارة القبور والمشاهد… فإنه يُستتابُ فإن تابَ وإلاّ قُتِلَ" اه. [المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 252)]. وفي موطن ثالث وهو يتحدث عن السفر والسياحة والترحال، فسُأل عن مشروعية الوقوف على جبل عرفات في غير أيام عرفة والحج، فقال: "والوقوفُ بعرفاتٍ لا يكون قط مشروعًا إلاّ في الحج باتفاق المسلمين، في وقتٍ معين على وجهٍ معين، فمن قال: أَقِفُ ولستُ بحاجّ فقد خرجَ عن شريعة المسلمين، بل إن اعتقد ذلك دينا لله مستحبًّا فإنَّه يُستتابُ فإن تابَ وإلاّ قُتِلَ". [جامع المسائل لابن تيمية (1/210)]. بل من يسافر لمجرّد اكتشاف أماكن جديدة لم يرها من قبل، يقول فيه: "ومن اعتقد السفر إليه للتعريف قُرْبة فهو ضالٌّ باتفاق المسلمين، بل يُستتاب فإن تاب وإلا قُتِل" [المرجع السابق (5/365)]. والأدهى والأمرّ وهو يتحدث عمن يُفضل بعض المساجد للصلاة عن أخرى، كمسجد سيدنا الحسين أو السيدة زينب أو غيرهما من المشاهد المنتشرة في أنحاء الدنيا يقول فيه: " ليس لأحد أن يقصد الصلاة عند قبر أحد، لا نبي ولا غير نبي، وكل من قال: إن قصد الصلاة عند قبر أحد، أو عند مسجد بني على قبر أو مشهد، أو غير ذلك: أمر مشروع، بحيث يستحب ذلك ويكون أفضل من الصلاة في المسجد الذي لا قبر فيه: فقد مرق من الدين، وخالف إجماع المسلمين والواجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل" اه. [رأس الحسين، لابن تيمية (ص: 213)]. ويقول عن رجل مصلٍّ يحافظ على الصلوات إلا أنّه امتنع عن صلاة واحدة أو ترك بعض الواجبات داخل الصلاة فحكمه القتل، يقول: "والرجل البالغ إذا امتنع من صلاة واحدة من الصلوات الخمس أو ترك بعض فرائضها المتفق عليها، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل" اه. [مجموع الفتاوى (3/ 429)]. وسأل عن رجل جار للمسجد، ولم يحضر مع الجماعة الصلاة ويحتج بدكانه: الجواب: "يؤمر بالصلاة مع المسلمين، فإن كان لا يصلي فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل" اه. [الفتاوى الكبرى (2/ 279)]. ومن أراد أن يزور كنيسة بيت المقدس واعتقد أن زيارتها قربة فقد كفر، فإن كان مسلما فهو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل". [مختصر الفتاوى المصرية (1/ 514)]. الإشكالية أنّ هذه المباحث والمسائل أخذت تُلقي بظلالها على حياتنا، فأصبحت دينًا يُعتقد أنّ في فعله تقرب إلى الله، لنجد الدماء تُسال هنا وهناك، وتسهل استباحة الأموال والأعراض، كل هذا تحت مظلّة فتاوى ابن تيمية. فنسأل الله أن يُعافينا من مثل هذه الأمراض.