20 يونيو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    اليابان تعرب عن قلقها العميق إزاء اتفاق عسكري بين روسيا وكوريا الشمالية    حماس تتمسك بعودة اللاجئين وترفض محاولات إسرائيل إلغاء الأونروا    خالد فودة: بعثة حج جنوب سيناء بخير.. والعودة الإثنين المقبل    مليون أسرة تستفيد من لحوم صكوك أضاحى الأوقاف هذا العام.. صور وفيديو    بعد انتهاء عيد الأضحى 2024.. أسعار الحديد والأسمن اليوم الخميس 20 يونيو    استقرار أسعار العملات مقابل الجنيه اليوم الخميس 20 يونيو 2024    وزير المالية: إنهاء أكثر من 17 ألف منازعة ضريبية تتجاوز 15 مليار جنيه خلال 10 أشهر    سنتكوم: دمرنا زورقين ومحطة تحكم أرضية ومركز قيادة للحوثيين    مزاعم أمريكية بقرب فرض قطر عقوبات على حماس    عاجل - الاستخبارات الروسية تصدم رئيس أوكرانيا: "أمريكا ستتخلى عنك قريبا والبديل موجود"    وول ستريت جورنال: 66 من المحتجزين في غزة قد يكونوا قتلوا في الغارات    انقطاع الكهرباء عن ملايين الأشخاص في الإكوادور    سيراميكا كليوباترا يهاجم اتحاد الكرة: طفح الكيل وسقطت الأقنعة    الأهلي يحسم مصير مشاركة عمر كمال أمام الداخلية اليوم    أزمة في عدد من الأندية السعودية تهدد صفقات الموسم الصيفي    الإسكان: 5.7 مليار جنيه استثمارات سوهاج الجديدة.. وجار تنفيذ 1356 شقة بالمدينة    اليوم بداية الصيف رسميا.. الفصل يستمر 93 يوما و15 ساعة    بيان مهم من الداخلية بشأن الحجاج المصريين المفقودين بالسعودية    غرق شاب عشريني في أحد بشواطئ مطروح    ولاد رزق 3 يواصل تحطيم الأرقام القياسية بدور العرض لليوم الثامن.. بإجمالي مفاجىء    محمد صديق المنشاوى.. قصة حياة المقرئ الشهير مع القرآن الكريم    عاجل - قوات الاحتلال تقصف مربعا سكنيا غربي رفح الفلسطينية    عاجل - "الإفتاء" تحسم الجدل.. هل يجوز أداء العمرة بعد الحج مباشرة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 20-6-2024    طواف الوداع: حكمه وأحكامه عند فقهاء المذاهب الإسلامية    الإفتاء توضح حكم هبة ثواب الصدقة للوالدين بعد موتهما    عاجل - تحذير خطير من "الدواء" بشأن تناول مستحضر حيوي شهير: جارِ سحبه من السوق    ثلاثة أخطاء يجب تجنبها عند تجميد لحوم الأضحية    غلق منشأة وإعدام 276 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بجنوب سيناء    تركي آل الشيخ يدعو أسرتي مشجعتي الأهلي لأداء مناسك العمرة    منتخب السويس يلتقي سبورتنج.. والحدود مع الترسانة بالدورة المؤهلة للممتاز    مطار القاهرة يواصل استقبال أفواج الحجاج بعد أداء مناسك الحج    دراسة بجامعة "قاصدي مرباح" الجزائرية حول دور الخشت فى تجديد الخطاب الدينى    تصل إلى 200 ألف جنيه، أسعار حفلة عمرو دياب بالساحل    كيفية الشعور بالانتعاش في الطقس الحار.. بالتزامن مع أول أيام الصيف    خلال 24 ساعة.. رفع 800 طن مخلفات بمراكز أسيوط    في هانوي.. انطلاق المباحثات الثنائية بين الرئيس الروسي ونظيره الفيتنامي    مبدأ قضائي باختصاص القضاء الإداري بنظر دعاوى التعويض عن الأخطاء    تعرف على خريطة الكنائس الشرقيّة الكاثوليكية    الآلاف في رحاب «السيد البدوى» احتفالًا بعيد الأضحى    أسرع مرض «قاتل» للإنسان.. كيف تحمي نفسك من بكتيريا آكلة اللحم؟    مصرع عامل نظافة تعاطى جرعة زائدة من المواد المخدرة بالجيزة    yemen exam.. رابط الاستعلام عن نتائج الصف التاسع اليمن 2024    إيقاف قيد نادي مودرن فيوتشر.. تعرف على التفاصيل    التخزين الخامس خلال أيام.. خبير يفجر مفاجأة بشأن سد النهضة    «آخرساعة» في سوق المدبح القديم بالسيدة زينب| «حلويات المدبح»    تشييع جثامين أم وبناتها الثلاث ضحايا حادث انقلاب سيارة في ترعة بالشرقية    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    يورو 2024| صربيا مع سلوفينيا وصراع النقاط مازال قائمًا .. والثأر حاضرًا بين الإنجليز والدنمارك    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حمدي الميرغني يوجه رسالة ل علي ربيع بعد حضوره مسرحية "ميمو"    خاص.. موقف الزمالك من خوض مباراة الأهلي بالدوري    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 20 يونيو.. «وجه تركيزك على التفاصيل»    تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابن تيمية وفقه الجريمة
نشر في شباب مصر يوم 29 - 04 - 2015

في الجزء الأول نشرت إحصائية عن ابن تيمية تُثبت أن الرجل كان أكثر شيوخ المسلمين كذباً في التاريخ، إحصائية موثقة من كُتبه، ومدعومة بفتاوى كبار علماء السنة ومنهم أحمد بن حنبل، ولم أكن أتوقع ردود الأفعال على نشر هذه الإحصائية، فقد تصورت أن ردود الأفعال ستكون في المستوى الطبيعي، إلا أنني فوجئت بأن بعض ردود الأفعال كانت على طرفي نقيض، فمنهم من كان يُسرف في الرفض وإطلاق أحكام الكُفر والزندقة، رغم أن الإحصائية كانت من كُتب ابن تيمية!..ومنهم من كان يُسرف في القبول ومدح الإحصائية ، وأخيراً مجموعات أغلبية تقبلت الإحصائية بارتياح، وتعني أنه ربما ساهمت تلك الإحصائية في تفسير بعض من غموض وتناقضات الرجل، وبعضاً من أحكامه المتهورة في إطلاق فتاوى التكفير والقتل.
تلك الأحكام التي سنعرض جزءاً منها في هذه الدراسة، آملين أن يتوسع الباحثين في النظر لمنهج الرجل بعين النقد، بعدما ظهر أنه المرجعية الأولى للإرهاب والجريمة باسم الدين، وبعدما شاع أتباعه من السلفية أنه عالِم لا يُشق له غبار، حتى رأيت بعض العوام يذكرونه بشيخ الإسلام،ومستمر إلى وقتنا هذا دون أن يفطن الأغلبية للحقيقة التي ستؤلمه شخصياً، أنه وبفتاوى وأحكام ابن تيمية دمه أصبح مهدوراً حتى لو كان من أتباعه، كيف ذلك؟.. هذا ما سنراه في السطور القادمة بعرض أحكام وفتاوى الرجل في حق المخالفين .
هذه الأحكام تُثبت أن فقه ابن تيمية كان من أكثر صنوف الفقه جريمة في الإسلام، حيث لم يتورع الرجل في هدر دماء الناس، ولم يكن يخشى عواقب تكفيره للمسلمين وهدر دمائهم لأتفه الأسباب ، سنعرض ثمان نماذج على هذا التهور الفقهي لابن تيمية، وبعدها إحصائية من كتابة.."مجموع الفتاوى"..ترصد أحكامه الإجرامية في تكفير وهدر الدماء بتوسع..
1- النموج الأول..(تكفير وقتل من يجهر بالنية)
" الحمد لله الجهر بلفظ النية ليس مشروعا عند أحد من علماء المسلمين ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من خلفائه وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها ومن ادعى أن ذلك دين الله وأنه واجب فإنه يجب تعريفه الشريعة واستتابته من هذا القول فإن أصر على ذلك قتل "..مجموع الفتاوى(ج5 ص153)
2- النموذج الثاني..( تكفير وقتل من يأكل الحيات والعقارب)
"الحمد لله أكل الخبائث وأكل الحيات والعقارب حرام بإجماع المسلمين . فمن أكلها مستحلا لذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل "..مجموع الفتاوى..(3/ 51)
3- النموذج الثالث..( تكفير وقتل تارك صلاة الجماعة والجمعة)
"فإن التعبد بترك الجمعة والجماعة بحيث يرى أن تركهما أفضل من شهودهما مطلقا كفر يجب أن يستتاب صاحبه منه فإن تاب وإلا قتل"..مجموع الفتاوى..(3/ 52)
4- النموذج الرابع..( تكفير وقتل من يخالفه في فهم الشرع)
"فأما الشرع المنزل : فهو ما ثبت عن الرسول من الكتاب والسنة وهذا الشرع يجب على الأولين والآخرين اتباعه وأفضل أولياء الله أكملهم اتباعا له ومن لم يلتزم هذا الشرع أو طعن فيه أو جوز لأحد الخروج عنه فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل"...مجموع الفتاوى..(3/ 33)
5- النموذج الخامس..( تكفير وقتل من يقول أن القرآن مخلوق)
"اشتهر عن أئمة السلف تكفير من قال : القرآن مخلوق وأنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل"..مجموع الفتاوى..(3/ 128)
6- النموذج السادس..( تكفير وقتل من يتأخر عن الصلاة)
"ولا للمستأجر أن يمنع الأجير من الصلاة في وقتها . ومن أخرها لصناعة أو صيد أو خدمة أستاذ أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته ، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب "..مجموع الفتاوى..(5/ 80)
7- النموذج السابع..( تكفير وقتل من يُحرّم الأجر نظير العلم لو كان غنياً)
" وهل يجوز الارتزاق مع الغنى ؟ على قولين للعلماء . فلم يقل أحد من المسلمين أن عمل هذه الأعمال بغير أجر لا يجوز . ومن قال : إن ذلك لا يجوز ؛ فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل "..مجموع الفتاوى..(5/ 80)
8- النموذج الثامن..( تكفير وقتل من يقول بقتال الصحابة)
" وأما من قال : إن أحدا من الصحابة أهل الصفة أو غيرهم أو التابعين أو تابعي التابعين قاتل مع الكفار أو قاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه أو أنهم كانوا يستحلون ذلك أو أنه يجوز ذلك . فهذا ضال غاو ؛ بل كافر يجب أن يستتاب من ذلك فإن تاب وإلا قتل"..مجموع الفتاوى..(2/ 448)
إلى هنا نقف عن طرح المزيد من تلك النماذج الموجودة لديه بالعشرات، ونحيل القارئ إلى تلك الفتاوى الإجرامية في مصدرها.."كتاب مجموع الفتاوى"..الذي في حقيقته هو مجموع الجرائم التيمية في حق البشر.
لقد خُدِعت في ابن تيمية..وموقفي منه جاء متأخراً وبالتحديد منذ خروجي من جماعة الإخوان، كنت قبل ذلك أقول أن ابن تيمية له وعليه وأنه عالِم لا يُشق له غبار، هكذا كانوا يدرسون لنا مذهب الرجل في السياسة والإفتاء، ولكن بعد الخروج صدق حدسي بأن النظر من خارج الصندوق يكشف ما لم تراه العين من قبل، فقررت الإطلاع "الكامل"على آراء مخالفي ابن تيمية ، والبحث في منهجه بموضوعية ولم أجد أفضل من فتاويه وأحكامه النهائية، فهي علامة على منهج الرجل..وبعد الإطلاع رأيت ضرورة عرض هذا الرأي على السلفيين والإخوان فما رأيت لهم حُجة، بل مجرد تبريرات وإنكار، وأن أحكام ابن تيمية في شأن الفرق والمخالفين هي شديدة التطرف، وقد أعلن شيوخ التفجير والتكفير من القاعدة عن إقتدائهم بالرجل، وأنه شيخ الإسلام ووووووو...إلخ من تلك التوصيفات التبجيلية والتقديسية.
ومن لا يزال يُنكر أن ابن تيمية هو الأب الروحي للإرهابيين فليقرأ مؤلفات شيوخهم من رموز الجهاد والتكفير في العالَم كأبو بصير الطرطوسي وجهيمان العتيبي وعبد الله الرشود وعبد الله عزام ...وغيرهم من شيوخ القاعدة والجهاد، بل يقرأ مؤلفات سيد قطب وهو من هو في عالم التكفير وتجهيل المجتمعات..بل هناك عبد اللطيف موسى مؤسس جماعة بيت المقدس الإرهابية في سيناء ورفح، ومن فرط حبه وعشقه لابن تيمية أطلق على مسجده في رفح اسم.."جامع ابن تيمية"..تأثراً بشيخه ورمزه.
لك أن تعلم أن ابن تيمية ذكر كلمات تكفيرية وتحريضية توازي اجتهادات شيوخ المسلمين منذ عصر الصحابة إلى عصرنا هذا ..ذكرها في كتاب واحد فقط وهو كتاب.."مجموع الفتاوى "..وهو ما جعل تلك الآراء والأحكام متوافقة مع ضمائر وطبائع الإرهابيين حول العالم.
1- فقد ذكر في هذا الكتاب كلمة.."فإن تاب وإلا قتل".. (75) مرة.
2- وكلمة.."فهو كافر".. (111) مرة.
3- وكلمة .." يجب قتله".. (13) مرة
4- وكلمة.."وجب قتله".. (9) مرات
5- وكلمة.."فإن أصر على ذلك قتل".. (مرة واحدة).
6- وكلمة.."قتل باتفاق الفقهاء"..(مرة واحدة).
7- وكلمة.."جاز قتله".. (مرتين).
8- وكلمة.."فهو مرتد"..(5)مرات.
9- وكلمة.."فإن تابوا وإلا قتلوا"..(3) مرات.
10- وكلمة.."كافر مباح الدم"..(مرتين).
11- وكلمة.."فهو زنديق"..(4) مرات.
وهكذا أحكام الرجل ما بين التكفير والقتل والردة والزندقة والاستتابة وإباحة الدماء، كل هذا في كتاب واحد فقط ..يعتبر مرجعاً للجماعات السلفية والإخوانية بالعموم، وأستغرب موقف هذه الجماعات وتقبلها لفتاوى ابن تيمية الإجرامية، رغم أن شيوخ عصره أكثرهم كانوا على تكفيره والحُكم عليه بالبدعة، حتى ابن خلدون لم يذكره في المقدمة مطلقاً، وبعد عرضه لفصل راح يعدد فيه كبار العلماء لم يذكره، رغم أن ابن خلدون جاء بعد ابن تيمية بعشرات الأعوام، ولكن حكي له مواقف مع التتار في تاريخه المعروف.."بتاريخ ابن خلدون"..وهذا يدل على عدم اهتمام ابن خلدون به، رغم أن ابن خلدون زار سوريا-معقل ابن تيمية-إبان اجتياح التتار وقائدهم تيمورلنك لبلاد الشام.
معلومة : يزعم البعض أن ابن خلدون لم يكن يعرف ابن تيمية لذلك لم يذكره ضمن مصاف العلماء، والجواب كيف ذلك وقد ذكره في تاريخه دون أن يعده الكبار؟!..ابن خلدون ولد في تونس ، وبعدها هاجر إلى المغرب ثم إلى الأندلس ثم إلى الجزائر ثم مصر ثم إلى سوريا والعودة مرة أخرى..أي أن الرجل كان رحالة، و ظهر ذلك من نبوغه في بعض الأفكار، فكيف يجهل ابن تيمية وهو بهذا التوسع في المعارف، فالأصل أن التواصل معرفة ، وابن خلدون كان متواصلاً وكان يعرف ابن تيمية.. ورغم ذلك لم يعده من كبار العلماء.
وعليه ففي تقديري أن منذ عصر ابن تيمية في القرن السابع الهجري حتى زمن ابن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري-أي مسافة زمنية تُقدر ب 500 عام- كان أغلب شيوخ المسلمين يحكمون على ابن تيمية بالكفر والبدعة والشذوذ ، ولولا إحياء الوهابية لتراثه لأصبح ابن تيمية وكتبه في حكم النسيان، وطبيعي أن تتفق آرائه مع مواقف بدو الصحراء وغلظتهم وفجاجتهم مع المخالفين، كونها تُعالِج لديهم موقفهم من الآخر بالعموم، وإعلاء نزعاتهم الأيدلوجية على حساب العدل والمساواة.
نعم لقد كانت .."بعض"..أسباب تكفيره غير مقنعة وأنها نتيجة للتخلف الفقهي والعقلي الذي شاب فقهاء المسلمين ، إلا أنه لم يعتد بأفكاره أغلبهم من المصلحين والعقلانيين حتى وقتنا هذا، وقد ساعد على انتشار اسمه وفكره.. هو قيام البعض بإعادة إحياء مذهبه في الجزيرة العربية على أيدي الدعوة السلفية الوهّابية، وهي التي اتخذت من المذهب الحنبلي مرجعية فقهية بل وسياسية جامعة، على اعتبار أن المذهب الحنبلي لم يكن مجرد مذهب فقهي عند البعض بل هو –لديهم-توجه سياسي وديني متكامل.
فقاموا بنسخ وطباعة كتبه ونشرها في مواسم الحج، وساعدهم في ذلك أموال البترول التي لولاها ما كانت للسلفية قدرة على الانتشار، كذلك فابن تيمية هو من أكثر شيوخ المسلمين جمعاً للتناقض ، فالرجل في كثير من فتاويه يجمع الشئ ونقيضه، مثال حُكمه بالكفر على مخالف الإجماع، ورغم ذلك عارض علماء عصره وسلفه في كثيرِ من المسائل.
حقيقة كُتبه طافحة بأشياء غريبة ولهجة متعصبة وأحكام تقريرية دون عرضها للسؤال، وهو ما جعل البعض يشك في نَسَب بعض كُتبه إليه، فقالوا أن العديد من كُتبه منحول وهو براء منه، وفي تقديري أن هذا القول صحيح ، فالكُتب المنشورة لابن تيمية كثيرة إلى حد القول أنه تفرغ طوال عمره للكتابة!..وأن يحدث ذلك صعب جداً ، فالإنسان لا يكتب سوى بحالة عقلية ومزاجية هادئة، وهذه الحالة لا تتوفر في بعض الأحيان، كذلك في القراءة ..لأن الكاتب بالأساس هو قارئ ومستمع جيد في نفس الوقت، فكيف أتى ابن تيمية بهذه الكتب جميعها دون أن يقرأ أو يستمع لأحد؟!..بل كيف كان هادئاً وعاقلاً طوال عمره؟!
إن ابن تيمية هو من وضع الأساس لفقه الجريمة في الإسلام، ثم ناقش فروعه بتوسع وأصّل لهذه المسائل بفتاوى ومناظرات عقلية وشرعية، حتى باتت دعواته محل قبول لذوي الرغبات والنزعات، وهذا ضلال وانحراف، لأن الأصل هو فقه التعايش والسلام والقبول لا الحرب والاعتداء، فالله لم يأمر المسلمين بالاعتداء في القرآن، وفي ذلك مبحث شرعي طويل أحيله إلى مكانه، ريثما نبحث فيه مستقبلاً، نعم يوجد من سبقوه في الدعوة للاعتداء والتكفير والقتل، ولكن في تقديري لم يكن لهم منهج وضابط مثل ابن تيمية الذي توسع في هذه الأشياء، ومشهور مواقفه التكفيرية ودعوات القتل الصُراح لمعتنقي المذاهب الأخرى خاصةً الشيعة الإمامية والعلوية، فقد أفتى الرجل بكل غرابة وعنجهية بجواز تكفير وقتال العلويين"النصيرية وقال فيهم:
"هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم ..أكفر من اليهود والنصارى ؛ بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم "
"ولا ريب أن جهاد هؤلاء وإقامة الحدود عليهم من أعظم الطاعات وأكبر
الواجبات "
"هؤلاء يجب قتالهم ما داموا ممتنعين حتى يلتزموا شرائع الإسلام.. وهم مرتدون من أسوأ الناس ردة تقتل مقاتلتهم وتغنم أموالهم . وسبي الذرية فيه نزاع ؛ لكن أكثر العلماء على أنه تسبى الصغار من أولاد المرتدين"..مجموع الفتاوى
رغم أن الدكتور مصطفى الشكعة في كتابه.."إسلام بلا مذاهب"..نفى فيه هذه الأكاذيب والافتراءات على العلويين،وقال أن تعبير"النصيرية"هو يُغضبهم ويحبون بدلاً منه "العلويون" ، وقال أن العلويين لهم مواقف ضد الاستعمار ، وأن تعميم صفة الكفر فيهم غير صحيح وسلوك غير قويم،لأن في كل طائفة عقلاء ومنحرفين، وهناك عقلاء في العلوية يرفضون شطحات البعض منهم، ونقل عن بعض علمائهم .."كعبدالرحمن الخير وأحمد حيدر، ومحمود الصالح..وغيرهم"..أقوال تعضد هذا الكلام...
لكن في المجمل هذه الفتاوى المنحرفة لابن تيمية تظهر بشكل وظيفي، أي أنها تظهر عندما يجري توظيف أي صراع سياسي بين الفرق والمذاهب، مثال ما يحدث في سوريا، فالشحن الجهادي كان يركز على هذه النقطة، وهي شحن هؤلاء الهَمَج تحت عنوان.."قتال النصيرية"..رغم أن الحكومة السورية وجيشها الوطني أغلبها سنية، ودار إفتائها سنية ، ولكن حينما يُشحن هؤلاء القطيع هم يُشحنون تحت عناوين طائفية دينية ، ويُصبح المرء أسير ومقود مثل البهائم، وهذا هو الهدف من تلك الفتاوى الإجرامية والمنحرفة لابن تيمية في حق البشر بل في حق المسلمين..
أخيراً كي أغلق هذه النقطة أختمها بفتوى لابن تيمية في حق الطائفة الدرزية، هي غاية في الغرابة والتهور والإجرام، فقد أفتى الرجل بقتل كل من ينتسب إليها حتى علمائهم وصُلحائهم إذ قال..." لا يباح أكل طعامهم وتسبى نساؤهم وتؤخذ أموالهم . فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم ؛ بل يقتلون أينما ثقفوا ؛ ويلعنون كما وصفوا ؛ ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ . ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يضلوا غيرهم ويحرم النوم معهم في بيوتهم"..
مجموع الفتاوى(9/ 222)..هكذا فالرجل تبدو بلطجيته وتعديه على الحرمات وأهمها حُرمة النفس ، وليس بعدها حُرمة، ولكن نخرج من هذه الجرائم لابن تيمية بأن للرجل موقف خطير من المخالفين، أصبح هذا الموقف هو عنوان كل من يقتل باسم الدين، وكما سبق فالرجل مرجعية لدى كافة جماعات الإرهاب.
سيقول قائل أن الذي يأمر بالقتل وينفذه هم القضاء والحكومة لا عموم الأفراد، وأن هذه الفتاوى هي مجرد حلول استثنائية بعد العجز عن دفع الضرر عن المسلمين ودينهم، وبالتالي فابن تيمية برئ من تهمة القتل، وهذا تبرير غريب، فالفتوى هي أمر وقرار قضائي واجب النفاذ، وعلى الجهات المعنية تطبيق القرار، لا يمكن لابن تيمية أن يقتل جميع المخالفين، ولكنه أعطى تصريحاً بقتلهم، فلا يُقال أنه برئ من دماء الناس هكذا بمنتهى السطحية..!
بدلاً من مراجعته في تلك الفتاوى الخطيرة وإعادة النظر في ما قاله -من هدر دماء البشر- يأتون ليُحلوا له ما أفتى من جرائم في محاولة كي يدفعون عنه تهم المسئولية....!..وما هو القرار الاستثنائي الذي يقضي بقتل أكثر من 100حالة بمجرد المخالفة الفقهية؟!..وكيف سيحمي المجتمع من تبعات هذا القتل على الأفراد والعائلات، أم أنه وضع الفتوى والحُكم وبانتظار سفيه أسفه منه كي يقضي بقطع الرقاب ولعب كرة القدم بها كما فعل تلاميذه من الدواعش في سوريا..!
سيدعي الحمقى أن الرجل كان يستدل بالكتاب والسنة في التكفير وإباحة الدماء، وهذا خطل واستهبال، أولأ: لأن ابن تيمية نفسه يعترف بأن نشأة المذاهب كانت متأخرة عن دعوة الرسول، أي الأصل في الإسلام أن الأمة واحدة ثم تفرقت بعد ذلك لعوامل الفكر والبيئة والسياسة، فصارت المذاهب والفرق أديانا، وأصبح من الصعب التفريق بينهم، وقد اشتهر عن الإمام محمد عبده أنه قال.." عُرِف من قواعد الأحكام، أنه إذا صدر قولٌ مِن قائلٍ يحتمل الكفرَ من مئة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمِل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر" (الأعمال الكاملة د.محمد عمارة)..فلما كان يتوسع ابن تيمية في التكفير هذا دون ضابط أو رابط إلا أن نفسه سولت له هذه الجريمة..
ثانياً: أنه لا يوجد دين على وجه الأرض يقضي بإباحة الدماء، وأن مُحكم القرآن يقضي بأنه لا قتل إلا في أحوال الدفاع عن النفس وردع الأعداء في المعارك، سوى ذلك فالسلام والتعايش ولكم دينكم ولي دين، وأن الدعوة هي بالحكمة والموعظة الحسنة، ومئات الآيات التي تحض على حُسن المعاملة والأخلاق وزرع ثقافة الحوار، وأحيل القارئ إلي دراسة مميزة بعنوان.."منهج الحوار في القرآن الكريم"..للكاتب عبد الرحمن حللي قرأتها منذ عامين، ولكنها أحدثت أثراً في نفسي كشفت أن رواد الإرهاب والتكفير والإقصاء بالجملة ليسوا على الإسلام الصحيح، وأنا ما جاءوا به هو من عند أنفسهم.
أخيراً: فجامعات الأزهر الشريف والزيتونة وكافة الجامعات العلمية ،مطالبة بكشف حقيقة ابن تيمية للناس، لئلا ينخدع به البسطاء والسفهاء، ربما ينخدعوا بشخص آخر هو أقل من ابن تيمية حماقةً وجريمة، وتصديقاً للمثل القائل.."قضاء أخف من قضاء"..بعدما وصل الحال بنا إلى أن نهتف لشيوخ الجهل والفتنة ، بعدما وصل هذا التيار الإرهابي وتلاميذ ابن تيمية للحُكم في بعض البلدان، وهم في ذواتهم يحتكرون الحقيقة لأنفسهم، ويسعون لتكوين سلطة سياسية بمقتضى هذا الاعتقاد فينتشر الفساد في البر والبحر، وتنعدم التنمية ويهلك الإنسان بانشغاله في الصراع وأشكاله ، ونسيان ما جعله خليفة الله في أرضه، أن الأرض جعلها الله للإنسان كي يعمرها ويبسط فيها الأمن والعدل.
سامح عسكر
كاتب وباحث إسلامي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.