في كافة العلاقات الإنسانية العام منها والخاص يتسامح الطرف المكذوب عليه مرة واثنتين وثلاثًا، ليس ضعفًا بقدر ما هو حفاظ على شيء مشترك قد يكون بيتًا، شركة، أو صداقة، أو وطن. وعندما يستنفد طاقته من التسامح، وإدراكه بأن ما يريد أن يحافظ عليه يضيع، فإن الغضب الناتج عن تلك الأكاذيب قد يشبه الإعصار. في السابق قبل التقدم التكنولوجي كان الرؤساء الذين يكذبون على شعوبهم يتخذون من المنابر الرسمية التي لا يوجد سواها مركزًا لنشر الكذب، معتمدين على عدم وجود بديل, بجانب صعوبة البحث والتوثيق. أما الآن فإذا أراد المواطن العادي معرفة مرات كذب الحكومات والحكام عليه، يستطيع فعل ذلك في أقل من عشر دقائق. في نهاية شهر يوليو الماضي خرجت وزارة المالية المصرية ببيان تؤكد فيه أن صندوق النقد الدولي لم يضع شروطًا لإقراض مصر، وأن البرنامج الذي تم مناقشته مع بعثة الصندوق هو مصري مائة في المائة، حظي بموافقة مجلس النواب، وأنه جزء من رؤية مصر 2030. واتهمت الوزارة كل من يقول إن صندوق النقد يفرض شروطًا بترويج الإشاعات ونشر أخبار مغلوطة، وأصرت في نفيها على عدم وجود شروط للصندوق أو توصيات بتسريح مليوني موظف من الجهاز الإداري للدولة، مشددة على أن هذه الأخبار عارية تمامًا من الصحة. اضطر الجميع للصمت؛ لعدم درايتهم بشروط الصندوق, عدا قلة من الخبراء الاقتصاديين، الذين ظلوا يؤكدون أن شروط صندوق النقد تعصف بالفقراء, وأنه لن يدخل دولة إلا ويحل عليها الخراب، وعلى رأس هذه الدول «بيرو وغانا وزامبيا واليونان والإكوادور ورومانيا». لم يمر سوى شهر على الاتفاق بين مصر وصندوق النقد، حتى بدأت الحكومة في سن قوانين يقولون إنها في صالح المواطن وبعيدة كل البعد عن صندوق النقد، وكان أولها قانون القيمة المضافة، الذي يستهدف جمع 14 مليارًا في عامه الأول من المواطنين؛ ليصل إلى 18 مليارًا في العام الثاني من تطبيقه. يخرج «كريس جارفيز» رئيس بعثة صندوق النقد في مصر؛ ليكذب وزارة المالية المصرية، ويؤكد أنهم شاركوا في مساعدة مصر فنيًّا في هذا القانون طبقًا للممارسات الدولية, ولطبيعة انحيازاته للصندوق قام «جارفيز» بتهنئة مصر بالقانون، ووصفه بالتاريخي، الذي لم تستطع حكومات متعاقبة تنفيذه. لم تكن واقعة قانون القيمة المضافة هي الأولى في الكذب من جانب الحكومة تجاه الشعب، فسبقها العديد من الوقائع، على رأسها مصرية تيران وصنافير التي أقرتها محكمة القضاء الإداري,في ظل دفاع مستميت من جانب السلطة وأذرعها في كافة الأنحاء عن سعودية الجزيرتين. ولن تكون هذه الواقعة هي الأخيرة، فهناك إجراءات أكثر صعوبة ستتخذها الحكومة طبقًا لشروط صندوق النقد الذي لا يرحم, وستعتمد أيضًا في تمرير قراراتها وقوانينها على الكذب, إلى أن يتراكم كل هذا الكذب، ويتحول إلى انفجار مهول في وجه الجميع، خاصة مع الزيادة المستمرة في الأسعار