تطورات جديدة شهدتها ليبيا في اليومين الماضين على واقع رفض مجلس النواب الليبي منح الثقة لحكومة السراج، فبعد 6 أشهر من الاتفاق السياسي الليبي الذي تم توقيعه بمدينة الصخيرات المغربية، فشلت حكومة الوفاق الوطني أن تخرج إلى النور، الأمر الذي يشكل عائقًا جديدًا أمام استقرار ليبيا، في ظل أوضاع مأساوية وفوضى واسعة يشهدها هذا البلد الذي يعاني من انقسامات سياسية انعكست سلبًا على الوضع الأمني منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي قبل خمس سنوات. واستكمل البرلمان الليبي النصاب لأول مرة منذ 7 أشهر، حيث قال الموقع الرسمي للمجلس إن الجلسة عقدت بحضور 101 نائب؛ لمناقشة بقاء حكومة «السراج»، فصوت 61 عضوًا بالرفض، فيما امتنع 39 عن التصويت، ووافق عضو واحد فقط، وطالب أعضاء البرلمان المجلس الرئاسي الليبي بقيادة السراج بتشكيل حكومة مصغرة في مدة لا تتجاوز 10 أيام. وتشير التقارير إلى أن كتلة السيادة الوطنية بمجلس النواب الليبي برئاسة خليفة الدغاري لعبت الدور الأكبر في رفض منح الثقة لحكومة «السراج»، بقيادة عقيلة صالح رئيس المجلس، والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب أحميد حومة، حيث أصدرت الكتلة بيانًا قبل أيام حملت فيه حكومة «السراج» مسؤولية الأضرار التي لحقت بالمدنيين والممتلكات؛ نتيجة العنف والفوضى بالشارع الليبي، وأكدت رفضها لقرار جامعة الدول العربية بالاعتراف بحكومة الوفاق الوطني، ووصفته بالمتسرع. وتباينت ردود الأفعال حول قرار البرلمان الليبي وقانونيته، حيث أكد النائب البرلماني خير الله التركاوي في تصريحات له أن التصويت على حكومة السراج قانوني، مشيرًا إلى أن الحديث عن عدم صحة هذا التصويت بحجة أن تعديل الإعلان الدستوري غير دقيق لا يجوز؛ لأن التعديل يعقب منح الثقة للحكومة فقط، وأشار التركاوي إلى أن منح الثقة من عدمه هو إجراء يسبق تعديل الإعلان الدستوري، بينما رأى جانب آخر أن التصويت على منح الثقة للحكومة لم يدرج على جدول الأعمال، حيث تم تخصيص الجلسة لبندين فقط: الأول تعديل اللائحة الداخلية، والثاني مناقشة الاستفتاء على مشروع الدستور، لكن فوجئ النواب بعرض التصويت على منح الثقة للحكومة بدون علم أعضاء المجلس، وهو مخالف للقانون والاتفاق السياسي. وهذه هي المرة الثالثة التي يرفض فيها البرلمان حكومة مقترحة من المجلس الرئاسي، الأمر الذي يستوجب، حسب لوائح اتفاق الصخيرات، حل المجلس الرئاسي، لكن البرلمان أعطى المجلس فرصة أخيرة لتشكيل حكومة مصغرة. وفي هذا الصدد يقول عضو مجلس النواب أبو بكر بعيرة إن البرلمان إذا رفض الحكومة المقبلة، فسيتم حل المجلس الرئاسي كله، وفي حال سقوطه، يشكل مجلس النواب حكومة مصغرة. وتشير التقارير الليبية إلى أن هناك مؤشرات تؤكد تراجع عدد من النواب الذين كانوا يؤيدون حكومة الوفاق الوطني عن موقفهم مؤخرًا؛ مما زاد عدد رافضي منح الثقة، حيث تتعلق أسباب الرفض بزيادة عدد الوزراء، بالإضافة إلى الاعتراض على بعض الأسماء. وبينما لم تعلن واشنطنوالأممالمتحدة ومندوبها مارتن كوبلر عن موقف رسمي إزاء الخطوة البرلمانية الجديدة، وصفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قرار مجلس النواب الخاص برفض منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني ب«الانتكاسة الجديدة» لجهود تحقيق الاستقرار. ورأت الصحيفة الأمريكية أن عواقب قرار مجلس النواب غير واضحة حتى الآن، مؤكدة أن القرار سيؤدي بالتأكيد إلى تعميق حالة عدم الاستقرار الحالية، خاصة إذا رفض السراج قرار مجلس النواب، وقال الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ماتيا توالدو للصحيفة إن قرار البرلمان يضع عملية السلام في مهب الريح، ويعرضها للخطر. وتدعم الولاياتالمتحدة وأغلبية الدول الغربية وعلى رأسها إيطاليا حكومة السراج، معتبرة أنها الفرصة الأخيرة والمثلى لاستعادة الاستقرار وإعادة إحياء صناعة النفط ومحاربة تنظيم «داعش»، لكن بعد رفض البرلمان الليبي منح الثقة للحكومة يؤكد محللون أن الأممالمتحدة وأمريكا ربما تتقبلان فكرة إدخال تغييرات على الحكومة التي ثبت عدم رضا البرلمان الليبي عنها، ولكنهما لن تتركا حكومة السراج جميعها تسقط بسهولة. وفي هذا الصدد يقول المحلل في الشؤون الدولية محمد هنيدي إن المجتمع الدولي سيواصل دعم المجلس الرئاسي، وربما سيضغط على البرلمان والمجلس الرئاسي؛ للتوصل إلى تشكيل حكومة تلقى ترحيب الجميع. ويضيف هنيدي أن ليبيا ما زالت تعاني حتى اللحظة؛ بسبب عدم الاتفاق الواضح بين طرفي النزاع، حيث من الواضح أن هذا الخلاف السياسي الواسع سيؤدي إلى تقليل القدرة العسكرية، خاصة لدى الحكومة في مدن الشمال التي تحارب فيها داعش. ويعبر الكثير من مؤيدي الاتفاق السياسي عن قلقهم من أن هذا الخلاف سيؤدي إلى تمدد عناصر تنظيم داعش وانتشارهم جنوبًا بعد هزيمتهم في سرت، الأمر الذي يحتاج أن تفرض الحكومة والجيش الليبي سيطرتهما على هذه المناطق بدلًا من الانشغال بالأزمة السياسية.