شهدت محافظة السويس مؤخرًا فتح عدد من البلطجية والخارجين على القانون بعض المباني الأثرية التي تخص الجاليات اليونانية والفرنسية والإقامة فيها؛ تمهيدًا لهدمها بعقود بيع مزورة، حسبما أكدت تحقيقات النيابة، بناء على تحريات مباحث الأموال العامة. كانت محافظة السويس على رأس المدن التي يسكنها الجاليات والمهاجرون الذين استقبلتهم مصر من مختلف الدول الأوروبية في بداية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، حيث تدفقوا بأعداد هائلة، بحثًا عن الرزق، خاصة في ظل تجربة محمد علي وحاجته لمتخصصين في مختلف المجالات، وجاء اليونانيون في المقام الأول كأكبر وأكثر الجاليات، حيث انتشروا في كل أنحاء مصر، وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وتوتر الأوضاع بمصر، عادت هذه الجاليات لبلادها بسرعة، بحيث لم يستطع أغلبهم بيع ممتلكاتهم، فبقيت كآثار معمارية رائعة، حتى بدأت عصابات الاستيلاء عليها وبناء أبراج سكنية مكانها. المحامي على صبري، من أبناء المحافظة، قال إن السويس كانت تمتلئ بهذه المباني التي تضفي مشهدًا جماليًّا عليها، وبدأت تتآكل وتسرق بعقود جميعنا يعلم أنها مزورة، وتبنى الأبراج والعمارات السكنية والمحلات والمخازن دون أي رادع، وما تبقي منهم هو ما كشفته تحقيقات النيابة العامة عقب ضغط شعبي من أهالي المحافظة. وأكد أن التحقيقات التى تجريها مباحث الأموال العامة، بالاشتراك مع الأمن العام والرقابة الإدارية والأجهزة الأمنية والرقابية بمديرية أمن السويس، أثبتت قيام عدد من المواطنين بتزوير عقود ومستندات بيع وشراء لمنازل وفيلات وقصور أثرية يعود تاريخها ل 300 عام؛ وذلك بهدف هدمها وبناء أبراج سكنية، بالإضافة إلى وجود حالات بالفعل تم تزوير عقودها وهدمها وبناء أبراج عليها. وبفحص أوراق ومستندات كل العقارات والمنازل والقصور الأثرية المملوكة للدولة وكذلك للجاليات الأجنبية، تبين أنها مزورة بنفس الطريقة التي تم بها تزوير العديد من الأوراق والمستندات لعقارات تم هدمها على مدار ال 25 سنة الماضية، وهو ما أكد صدق البلاغ الذي تقدم به مواطنون وحمل رقم3455 لسنة 2016، والبلاغ رقم 7678 لسنة 2015، والذي وجهت التهم لعدد من المسؤولين ورجال الأعمال بالاستيلاء على أراضي الجاليات الأجنبية بالسويس تحت مزاعم شراء الأراضي من الأجانب واستخدام بلطجية ومسجلين خطر؛ لحمايتها حتى عمليات الهدم والبناء، وتهديد كل من يتواجد بها، مشيرًا إلى أنها تقدر بمئات الملايين، وتقع أغلبها في المناطق الحيوية بالمحافظة، وعلى رأسها منطقة النمسا وشارع بنك مصر، ويقع بهما عشرات القطع التي تم تزوير عقودها واستغلال وفاة أصحابها أو هجرتهم من مصر بعد حروب 56 و67 و73، وهدمت، وأقيمت مكانها أبراج سكنية. وقال إسماعيل علي، مهندس، إن هدم هذه المباني الأثرية التي كانت تحفًا معمارية رائعة وقيمة تاريخية عظيمة وإعادة بنائها بالطرق العشوائية كشفا غياب المسؤولين وانعدام أي تواجد لأي تنسيق حضارى لهذه المباني، وآخر ما تبقي منها مبانى الإرشاد ببورتوفيق. ولولا وضعها تحت تصرف هيئة قناة السويس التى اكتفت بصيانتها ولم تغير من شكلها، لكانت لحقت بهم، وزاد قبح المنطقة العمراني، ولهذا تعتبر من أجمل الأماكن بالسويس. وأكد أن الانفلات الأمني عقب قيام ثورة 25 يناير ساعد في الاستيلاء على عدد كبير من هذه المباني بالقوة والبلطجة دون أي رادع، وأنهم يقومون حاليًّا بتنفيذ نفس الطريقة للاستيلاء على المنازل الأثرية، من بينها المنازل الموجودة بمنطقة الخور وكورنيش السويس القديم. وقال محمد رمضان، مقاول، إن الطريقة التي يتم الاستيلاء بها على هذه الأراضي معروفة في السويس، وتتمثل في تحديد مكان المبنى أو الأرض التي تنوي الاستيلاء عليها، ثم السفر إلى اليونان، وتأتي بأي شخص من هناك، وتقومان بتحرير عقد بينكما على أنه حفيد مالك هذه الأرض، وقام ببيعها لك، ويتم توثيق العقد بالسفارة المصرية باليونان، ثم يأتي من اشترى الأرض أو المبنى بالبلطجية والمسجلين خطر، ثم يرفع دعوى صحة بيع ونفاذ، ويضع يده على الأرض، وبعدها يأتي دور المقاول؛ ليقوم بالبناء، مؤكدًا أنها طريقة معروفة جدًّا، وقام بها العديد من رجال الأعمال والمسؤولين. وقال إنه قام ببناء العديد من هذه الأبراج التي يعلم أنها تم الاستيلاء عليها بهذه الطريقة، ولكن موافقة ومباركة المسؤولين تضعك في طريق مسدود، فإما أن تقوم بالبناء، أو يأتي المالك "المزور" بمقاول آخر. ومن جانبه أكد اللواء أحمد الهياتمي، محافظ السويس، أنه أصدر قرارًا بوقف أي تعامل أو بناء في هذه الأراضي أو هدم أي مبانٍ أثرية تخص الجاليات اليونانية، وأنه قام بتفقدها وزيارتها؛ للوقوف على آخر التطورات فيها، وأحال كافة المسؤولين للنيابة، خاصة أنه تلقى العديد من الشكاوى في هذا الأمر، كما أنه أحالها إلى النيابة؛ للتحقيق والتأكد من صحة الأمر، و اطب وزارة الآثار؛ لمعرفة ما إذا كانت هذه المباني تدخل ضمن المباني الأثرية والتي لا يقل عمر أغلبها عن 150 عامًا.