تمر الأيام لتؤكد أن الرؤية الاقتصادية للرئيس عبد الفتاح السيسي لانتخابات الرئاسة 2014، كانت غير واضحة المعالم أو وهمية، كما وصفها بعض المتخصصين، بعد الأوضاع المتردية حاليا؛ في ظل ارتفاع سعر الدولار ومن ثم اشتعال الأسعار، التي تثقل كاهل المصريين، بالمقارنة بالبرنامج الاقتصادي لمنافسه آنذاك، حمدين صباحي، الذي يوصف ب«الطموح». الرؤية الاقتصادية لبرنامج السيسي تحتاج 300 مليار دولار علي نحو 4 سنوات، وسيتم توفيرها من الاستثمارات الداخلية والتعاون مع رجال الأعمال المصريين، وأهم التحديات هي العجز في الموازنة العامة، بجانب ارتفاع معدل البطالة وارتفاع معدلات الفقر وانخفاض معدلات النمو للفرد بالمقارنة بالناتج العام للدولة. وتضمنت أيضا التركيز علي مشروعات البنية الأساسية ورفع مستوى الحد الأدنى للخدمات العامة للطبقات الفقيرة باستكمال مشاريع مياه الشرب والصرف الصحي وبناء الوحدات الصحية والإسكان وتوفير مصادر جديدة للطاقة، والقضاء علي البطالة بتشجيع الاستثمار الداخلي ودعم وهيكلة السياسات التي تقيم مشروعات صغيرة ومتوسطة بجميع محافظات الجمهورية وفي مختلف القطاعات الصناعية والتجارية. كما شملت الرؤية الاقتصادية فتح المصانع المغلقة، وإعادة تأهيلها من خلال برنامج حكومي متكامل، والتأكيد على أن الشراكة الوطنية هي الحل لتلافي الأخطاء السياسية، والبدء فوراً في إعادة بناء مؤسسات الدولة، ومصارحة الشعب بالأخطار الاقتصادية والسياسية، التي تتعرض لها البلاد. بعد عامين من تولي الرئيس السيسي الحكم، ارتفع عجز الموازنة المصرية إلى 9.8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الجاري 2015-2016، 30.7 مليار دولار، وفي الفترة نفسها من العام المالي 2014-2015، كان عجز الموازنة المصرية 9.5% بما يعادل 26 مليار دولار، في آخر إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وعن معدل البطالة الإجمالي بلغ نتائج بحث القوى العاملة للربع الأول لعام 2016، 12.7% من إجمالي قوة العمل. اتبع الرئيس السيسي في سياساته الاقتصادية نظام الاقتراض من الخارج، حتى اقترض ما يزيد على 60 مليار دولار تقريبا خلال عامين، كان آخرهم قرض صندوق النقد الدولي ب12 مليار دولار وقبلها 25 مليار دولار من روسيا لإنشاء المفاعل النووي، بالإضافة إلي قروض السعودية في زيارة الملك سلمان لمصر، التي تقدر ب6.5 مليار دولار، بجانب اتفاقية لتمويل احتياجات مصر البترولية ب20 مليار دولار، ومن المؤتمر الاقتصادي ما يقرب من 20 مليار دولار قروض. واهتم السيسي بمشروعات البنية التحتية، التي تؤسس لانطلاقة اقتصادية قوية، لكن دون جدوى؛ بسبب الفشل في السيطرة علي سعر الدولار المتصاعد أمام انهيار قيمة الجنية وغلاء الأسعار المتزايد دون تنفيذ أي حلول للسيطرة على السوق، مع انتشار الفساد الذي مازال عائقا أمام أي تطور اقتصادي دون حلول أيضا. وتعمد الرئيس وحكومته خلال عامين إيهام الشعب بأن هناك إصلاحات اقتصادية كبيرة تحدث في مصر، لكن المردود على أرض الواقع غير تصريحات الرئيس الذي يعترف بأن الوضع الاقتصادي صعب في بعض خطاباته، بالإضافة إلي استمرار إغلاق المصانع. على الجانب الآخر، وضع حمدين صباحي، المنافس الوحيد للرئيس السيسي، برنامج اقتصاديا للنهوض بالدولة عن طريق العدل الاجتماعي هدفا رئيسيا للثورة وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المصري مثل الحق في الغذاء والسكن والرعاية الصحية والتعليم والعمل والأجر العادل، والتأمين الشامل، بالإضافة إلى الحق في بيئة نظيفة، عن طريق تخليص الاقتصاد الوطني من الفساد والاحتكار. واعتمد البرنامج على 3 قطاعات رئيسية للنهوض بالاقتصاد، الأول قطاع عام متحرر من البيروقراطية يعتمد وسائل الإدارة الحديثة والتخطيط العلمي، والثاني قطاع تعاوني يعظم القدرات الإنتاجية والتنافسية، والثالث قطاع خاص تقوده رأسمالية وطنية تلعب دورها الرئيسي والمنتظر في مشروع النهضة وتشجيعها من خلال حوافز الاستثمار ودعم المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر وتشريعات تواجه الفساد والاحتكار وقوانين تضمن أداء الرأسمالية الوطنية لواجبها الاجتماعي. وتضمن برنامج صباحي ضرورة إقرار الحد الأدنى والأقصى للأجور، وربط سياسات الأجور وزياداتها بالأسعار، مع وجود آليات رقابية حكوميا وشعبيا على الأسعار، وقوانين وتشريعات تضمن حماية المستهلك، وإقرار إعانة بطالة لكل من لا يجد فرصة عمل لحين توفيرها له، وإعادة ترتيب أولويات الموازنة العامة للدولة بحيث يتصدر الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي تلك الأولويات، واستصلاح الأراضي الصحراوية والسعي لزيادة المساحة المعمورة من مصر وبناء مجتمعات عمرانية جديدة تحقق هدف التوسع الأفقي والتعمير مع توفير البنية التحتية في تلك المجتمعات الجديدة. وشمل البرنامج النهوض بوضع الصناعة المصرية كخطة قومية خاصة الصناعات الاستراتيجية مثل الحديد والأسمنت والسماد والغزل والنسيج والدواء والإلكترونيات والتكنولوجيا، ودعم المنتج المصري واستعادة شعار "صنع في مصر"، مع ضمان حقوق العمال من خلال قانون جديد للعمل وتطوير قدراتهم الإنتاجية وتدريبهم، بالإضافة إلي العناية بأوضاع الفلاحين وإسقاط الديون عنهم وتلبية احتياجاتهم الضرورية للقيام بدورهم الرئيسي في نهضة مصر، والعمل على رفع إنتاجية الأراضي الزراعية باستخدام التكنولوجيا لاستحداث أنواع جديدة من البذور، وتأمين المستقبل الغذائي لمصر عبر تنمية الثروة الحيوانية والسمكية، فضلا عن إطلاق مشروعات للاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية لضمان التنمية المستقلة. وتبنى عددا من المشروعات القومية الكبرى التي قدمها علماء مصر وتساهم في النهضة الاقتصادية المنشودة، ومنها على سبيل المثال التوجه نحو الاعتماد على الطاقة الشمسية، ومشروع تطهير الصحراء الغربية من الألغام، ومشروع وادي السليكون للصناعات التكنولوجية، ومشروع تطوير قناة السويس، ومشروع تنمية الوادي الجديد ووادي النطرون، وغيرها من المشروعات التي تفتح آفاقا واسعة للنهضة وتوفير فرص العمل وتنمية الاقتصاد المصري.