أدرك الصهاينة منذ آونةٍ بعيدة، مدى قوة تأثير تغيير الفكر في استمالة الأمم والشعوب وتوجيه سياساتها،وتطويعها بالكيفية التي تخدم آمالهم وتطلعاتهم، ولهذا دأب هؤلاء القوم على وضع العديد من الخطط والاستراتيجيات الناجعة، التي تمكنهم من تقوية نفوذهم والوصول إلى مراكز القوى وصنع القرار السياسي في الدول الكبرى، ومن بينها التغلغل في وسائل الإعلام العالمية،سواءً المطبوعة أم المسموعة أم المرئية، لأن هذا الأمر من منظور صهيوني بحت، يمكنهم من بلوغ غايتهم وتحقيق مرادهم وأهدافهم، ويعبّد الطريق أمامهم نحو كسب الحروب سيكولوجياً من دون الزج بأنفسهم في معارك حقيقية. وترتكز الميتافيزيقيا الصهيونية، التي تنبني على تشكيل وإقناع الرأي العام العالمي بما ترنو العقول الصهيونية إلى تحقيقه، وإخراجه من العالم المجرد إلى الواقع الملموس المحسوس، عن طريق تشويه الحقائق، وقلب الباطل حقاً، والحق باطلاً، على دعامة إجادة وإتقان التعامل مع ميول النفس البشرية ومتطلباتها، ورغباتها وغرائزها، بأساليب إشباع مرغوبة لديها، أو عبر تجنيبها شيء منفر، وهي معطيات تستهوي في معظمها كل المتلقين. وبتطبيق هذه السياسة على أرض الواقع، من خلال اتباع الطرق والوسائل الملتوية وغير المشروعة، نجحوا في وقت وجيز، في السيطرة على أنشطة ومجالات الحياة الأمريكية والأوروبية والعربية على حد سواء، وتمكنوا من التغلغل في جلّ حركات وسكنات وسائل الإعلام العالمية، بحيث أصبحت هذه الوسيلة بمثابة اليد الطولى الأكثر بطشاً للصهاينة. ويؤكد هذا القول ويدعمه أن العديد من الدراسات تشير إلى السيطرة الصهيونية على أكبر وكالات الأنباء العالمية سواءً عن طريق تملكها مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، كأن يتم فيها إدخال الكتاب والمفكرين والساسة الموالين لهم. ففي بادئ الأمرنجحوا – مروراً بعدة مراحل ومستويات متعاقبة – في السيطرة على الحياة اليومية البريطانية عن طريق التغلغل في وسائل الإعلام. ثم انتقل التغلغل الصهيوني إلى الحياة الفرنسية، من خلال الاتجاه نحو التحكم في زمام الإعلام الذي يتحكم في مفاصل الدولة،وسيطروا على ما لا حصر له من الصحف الفرنسية، وفرضوا عليها رؤساء التحرير والمسؤولين والمحررين ممن يدينون لهم بالولاء والتبعية، علاوة على إنشاء الجرائد والمجلات الصهيونية التي ساهمت بدورٍ كبير في تشويه الحقائق واستمالة القلوب والألباب. كما تشير ذات الدراسات إلى أن إعلام الولاياتالمتحدةالأمريكية، إعلام موالٍ لإسرائيل، حيث يسيطر الصهاينة على صحيفة الواشنطن بوست، والديلي بوست، والنيويورك بوست، والديلي نيوز، وصن تايم، وشيكاغو صن تايمز، ونيويورك هرك، وغيرها في الكثير من دول العالم، إلى جانب التغلغل في الوسائل الإعلامية الأخرى المسموعة والمرئية. وقد آتت هذه السياسة أكلها في تشييد علاقات وأواصر قوية مع الدول ذات التأثير في القرار السياسي العالمي، ونجحت كذلك في كسب تعاطف وتعاون وتأييد شريحة كبيرة من المجتمع الدولي، الذي أيد مطالبهم في إقامة دولتهم على أرض فلسطين، حيث كانت الحملات والدعاية الصهيونية منذ البداية منظمة تنظيماً محكماً ضد القضية الفلسطينية، وضد العرب والمسلمين، واستطاعت هذه الحملات الإعلامية الممنهجة أن تؤدي دوراً لا يمكن إنكار أو تجاهل فاعليته في إقامة الدولة الصهيونية إلى جوار الدولة الفلسطينية. ونتيجة للنجاح الذي حققته هذه الوسيلة – وغيرها من الوسائل الأخرى – في تحقيق أولى أهدافهم، فقد أشاد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل، بدور الإعلام الكبير في تأسيس دولتهم المزعومة على أرض فلسطين، حيث صرح قائلاً: "لقد أقام الإعلام دولتنا على الخارطة، واستطاع أن يتحرك للحصول على مشروعيتها الدولية، وجدارة وجودها قبل أن تصبح حقيقة واقعية على الأرض، وقبل أن تنتقل من مجرد أحلام ومخططات وهياكل إلى كيان ناجز". ومنذ هذه اللحظة وحتى وقتنا هذا، تتبع الدعاية الصهيونية آليات ممنهجة، تتسم بالدقة والجدارة، في التعامل مع العرب والمسلمين، ومع الملفات والقضايا المطروحة على الساحة الدولية، من أجل ترسيخ الوجود اليهودي في فلسطين، والتمهيد لإقامة دولة إسرائيل الكبرى. فلم تتوقف هذه الدعاية أو تنقطع عن البث والترويج لكل الأخبار والوقائع الكاذبة المضللة التي لا تمت للواقع بصلة،كأن تروج للحق التاريخي لليهود في فلسطين، وكأن تطعن وتُشهر بالإسلام وتصفه بالتطرف والإرهاب والعنصرية والتخلف والرجعية، وتشكك في القرآن وفي نبي الإسلام، عن طريق مؤسسات الاستشراق المتخصصة في أداء هذا الدور الخطير، إلى جانب اتباع أسلوب التعتيم والمحاصرة لجميع الانطباعات والسلوكيات الحسنة عن الإسلام وأهله. وهذا لأجل تنمية وتضخيم العداء الغربي، بل والعالمي تجاه الأمة العربية والإسلامية، لكسب تأييد الدول المحايدة وتحويل موقفها وموقف الرأي العام العالمي من التفهم للوجود الصهيوني في المنطقة العربية، وحقهم في إقامة دولتهم في فلسطين، إلى موقف التأييد الكامل والدفاع عن قضيتهم والتحالف معهم، والإقرار بشرعية دولتهم، وبمشروعية كل تصرف يصدر عنها مهما اتصف بعدم المشروعية، ومخالفة أحكام ومبادئ القانون الدولي، والمواثيق والأعراف الدولية، وحقوق الإنسان. وسوف نكمل الحديث حول هذا الموضوع في المقال القادم إن شاء الله تعالى.