يبدو أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لم ينجح في تفصيل الثوب الروسي على مقاس المواقف الأمريكية، في زيارة كيري الأخيرة لموسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منتصف الشهر الجاري. واجتمع أمس ثلاثة أطراف دولية للتمهيد لإعادة المفاوضات «السورية السورية» المزعمة أغسطس المقبل، حيث التقى في جينيف المبعوث الدولي للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي مستورا، بالموفد الأمريكي لسوريا مايكل راتني، وغينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي. ويأتي الاجتماع الثنائي بين روسياوالولاياتالمتحدة الذي يستبق المفاوضات السورية، في وقت بات يمتلك فيه الطرف الروسي مجمل أوراق القوة في سوريا على الصعيدين الميداني والسياسي. حلفاء روسيا يسيطرون على الميدان السوري بالنسبة للميدان السوري فإن الكفة العسكرية باتت تميل لصالح موسكو أكثر منه لصالح واشنطن، فحزب قوات سوريا الديمقراطية لم يستطع حتى اللحظة في بسط سيطرته على مدينة منبج الواقعة تحت سطوة داعش رغم محاصرته لها لأكثر من شهر مدعومًا بالمقاتلات الأمريكية. في المقابل حقق حلفاء روسيا انتصارات مهمة في الميدان السوري، حيث استطاع الجيش الروسي السيطرة على طريق الكاستيلو، حيث إنه الشريان الوحيد للمسلحين من ريف حلب الشمالي، باتجاه مخيم حندرات ومنه إلى الأحياء الشرقية لحلب. في المعركة المصيرية «حلب» سيطر الجيش السوري على معظم منطقة المعامل في مدينة حلب، فيما تتواصل الاشتباكات بين الجيش وفصائل المعارضة بوتائر عنيفة، حيث تمكنت وحدات النخبة في الجيش السوري من إغلاق الطرق المؤدية كافة إلى داخل مدينة حلب وإحكام الطوق على المسلحين بعد أن سيطرت على مجمع الكاستيلو شمال المدينة، ليصبح بذلك الطريق بأكمله تحت إشرافها، بالإضافة إلى أن سلاح الجو السوري نفذ طلعات جوية على أوكار ونقاط تحصن إرهابيي تنظيم داعش في منطقة تدمر بريف حمص الشرقي وكبدهم خسائر بالأفراد والعتاد، الأمر الذي يعني أن حلفاء روسيا في سوريا متموضعين بشكل أفضل من حلفاء أمريكا. انتصارات روسيا في الميدان السياسي بخلاف الميدان العسكري كان لروسيا انتصارات قوية في الميدان السياسي منها: الورقة التركية من أهم النقاط التي ربحتها روسيا سياسيا هو التقارب الأخير الذي سعت إليه أنقرة مع موسكو، الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى ضعف موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية وحليفها السعودي على الأرض السورية، فتقارب تركياوروسيا، الذي سيتوج بعقد لقاء ثنائي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان بمدينة سان بطرسبورغ 9 أغسطس المقبل، من الممكن أن تستتبعه خطوات تنسيقية بين موسكووأنقرة حول الملف السوري، خاصة أن خبراء روس لفتوا إلى أن مكالمة هاتفية أجراها أردوغان مع نظيره الإيراني حسن روحاني، لوح فيها بتشكيل «تحالف ثلاثي» يضم روسيا، ما سيتطلب تعديل الموقف التركي من سوريا، الأمر الذي من شأنه أن يُفقد واشنطن الورقة التركية في سوريا من يدها، إذا ما تم إضافة الخلاف بين أنقرةوواشنطن مؤخرًا، على خلفية رفض الأخيرة تسليم المعارض التركي فتح الله جولن المقيم لديها للسلطات التركية التي تتهم جولن بمسؤوليته عن محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها أردوغان منتصف الشهر الجاري، بالإضافة لدعم واشنطن للأكراد في الشمال السوري عدو تركيا اللدود. أمريكا والمجتمع الدولي الولاياتالمتحدةالأمريكية فقدت قدرتها حتى على الرهان على الداخل الأمريكي، خاصة عندما تبنى الحزب الجمهوري أولوية محاربة داعش على إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي سيشكل ضغطًا على مواقف الحزب الديمقراطي الحاكم في أمريكا، خاصة في ظل الانتخابات الأمريكية الراهنة على مقعد الرئاسة. كما أن دولًا كفرنسا أظهرت نوعًا من المرونة تجاه روسيا، خاصة بعد العمليات الإرهابية التي طالتها، حيث أكدت أطراف فرنسية بضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى محاربة داعش، عن طريق التعاون مع روسيا، ودعم مؤقت للرئيس بشار الأسد، وفقًا لتصريحات السيناتور الفرنسي إيف بوزو دي بورغو، عضو لجنة الشؤون الدولية والدفاع والقوات المسلحة، الأمر الذي من شأنه أن يفرض مسارات جديدة على النسر الأمريكي تقوض من طيرانه في الأجواء السورية. السعودية والعرض الأحمق يبدو أن المملكة السعودية تعكس بوضوح ضعف الولاياتالمتحدة في سوريا، خاصة أن الرياض اتبعت مع موسكو أسوء أنواع الابتزاز السياسي وأكثرها ابتذالًا على الإطلاق، في محاولة يائسة لكبح الجماح الروسي، حيث قدمت المملكة السعودية أكثر من عرض لروسيا، من أجل التخلي عن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وكان آخر هذه العروض عرض مقدم من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يقضي بمقايضة نفوذها في الشرق الأوسط برحيل الأسد، وكان قد سبق ذلك عرض سعودي لشراء صفقة أسلحة ضخمة من موسكو، وعروض لدفع أسعار النفط. ويبدو أن الرفض الروسي للمقايضة السعودية لم يتأخر، وإن كان بصورة غير مباشرة، حيث وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الاثنين، الدعوات إلى تغيير النظام في سوريا بأنها «منافقة». وقال في مقابلة مع البوابة الإلكترونية ل«الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية»: إن «استمرار الدعوات المنافقة إلى تغيير النظام، على الرغم مما حصل في العراق وفي ليبيا، يظهر أن من يتمسكون بهذه المواقف ليسوا إلَّا أوغادًا، أو ربما أنذالًا يتمتعون بذلك، أو ربما يضعون نصب أعينهم تدمير الدول والمناطق لتحقيق أهداف نفعية». خلافات روسياوالولاياتالمتحدة مؤخرًا تبادل المندوبان الأميركي والروسي لدى الأممالمتحدة الاتهامات حول العمليات الجوية التي تنفذها قوات البلدين على الأراضي السورية، المندوب الروسي، فيتالي تشوركين، اتهم واشنطن وحلفاءها ب«قتل وإصابة العديد من المدنيين»، مشيرًا إلى أن هناك «تعتيمًا على حقيقة ما يجري في سوريا». من جهتها، رفضت المندوبة الأمريكية، سامانتا باور، اتهامات نظيرها الروسي، مطالبة بلاده بوقف «اعتداءاتها» في سوريا. كما اعترف وزير الدفاع الأمريكي، أشتون كارتر، في مؤتمر صحفي بأن روسيا لا تزال «بعيدة» عن مواقف واشنطن حول عدة ملفات، منها تطبيق مرحلة سياسية انتقالية يتخلى فيها الرئيس بشار الأسد عن السلطة، مع استهداف «المجموعات المتطرفة» وليس المعارضة المعتدلة، الأمر الذي يعكس وجود خلاف حقيقي حول الرؤى السياسية حول سوريا، مما يعني أن المفاوضات السورية في جنيف في حال انعقادها فإنها ستكون مضنية وشاقة، لكن في هذه الجولة من المفاوضات سيكون السقف الروسي مرتفعًا فيها إذا ما قورن بالأمريكي.