مائة عام مرت على إنشاء المعهد الأحمدي بمدينة طنطا بمحافظة الغربية، الذي يعد أحد معالم الثقافة والتراث الإسلامي عبر خمسة أجيال مضت، يقصده طلاب العلم من مختلف محافظات مصر، حيث خرَّج الكثير من العلماء حاملي ركب الحضارة والنهوض بالأزهر عبر تاريخه الطويل، كما عمل به لفيف من علماء أنارت سيرتهم الآفاق في الوطن العربي، وملأوا الدنيا بعلمهم في مشارق الأرض ومغاربها. يرتبط اسم المعهد العريق بالجامع الأحمدي، وهو أحد جوامع مصر الكبيرة، وينسب إلى الطريقة الأحمدية، ومؤسسها السيد أحمد البدوي، وقد بدأت الدراسة في هذا الجامع قبل عام 814 ه/ 1414م، وفي أيام علي بك الكبير حيث رتب أوقافًا على ذلك الجامع لعمارته وترميمه والصرف على المجاورين، وكان نظام الدراسة الحلقات كما في الأزهر الشريف، وظل الجامع الأحمدي مدرسة حرة حتى ضم للأزهر 1895م، واستمرت الدراسة مقامة به حتى بناء المعهد الأحمدي عام 1914م، ويعد من أهم مراكز التعليم الأزهري في مصر. كان التعليم الديني منذ بدء الإسلام مرتبطًا بالمساجد، وأول حلقة علم في الإسلام كانت في مسجد الرسول، ومن هنا كثر التعليم في المساجد على هيئة الحلقات، ولما اتسع نطاق الإسلام وتقدم الناس في الحضارة بنى الملوك للتعليم مدارس يوجد كثير منها بمصر، يؤدي وظيفة المسجد والمدرسة، وكانت الدراسة تبدأ في الجامع الأحمدي في اليوم الحادي عشر من شهر شوال وتنتهي اليوم العشرين من شهر شعبان، ويتخلل السنة الدراسية عدد من أيام المسامحات وهي: خمسة أيام للعيد الكبير، ويوم مولد سيدنا الحسين وأربعون يومًا لمولد سيدنا البدوي ويوم عاشوراء ويوم المولد النبوي، وخمسة وأربعون يومًا عندما يشتد الحر، وعشرة أيام لمولد السيد البدوي الصغير، وثمانية أيام للمولد الرجبي. وافتتح ملك مصر عباس حلمي الثاني طريقة جديدة لدور التعليم الإسلامي تفي بحاجات التعليم مع المحافظة على اقتران المدرسة بالمسجدية، وكان من حظ مدينة طنطا أن يكون فيها باكورة هذه الطريقة البديعة فبنى المعهد الأحمدي في أواخر سنة 1326ه، وعهد الخديوي عباس باشا حلمي الثاني بمشيخة الجامع الأحمدي إلى فضيلة الشيخ محمد حسنين العدوي، فأقبل على ترقية التعليم بكل قواه، ولما كان طلاب العلم الأزهري يتلقون دروس علمهم بالجامع الأحمدي وضاق بهم نطاق المسجد تم بناء المعهد ووضع حجر الأساس يوم السبت 29 صفر 1329ه 11 فبراير 1911 وتم افتتاح الطابق الأول في 21 شوال 1331ه 22 سبتمبر 1913 وهو بناء فخم على الطراز العربي الجميل، تم اختيار موقعه بجوار محطة السكة الحديد بطنطا، وفي اختيار موقعه مغزى استراتيجي، حيث يأتي إليه طلاب العلم الأزهري من جميع أرجاء مدن وقرى محافظات الدلتا. يشغل المعهد الأحمدي مساحة واسعة، فله بابان أحدهما بحري والآخر غربي، وبه دائرتان مشتملتان على 31 حجرة للدراسة، محيطة بايوانات كالمساجد العربية وثلاث حجرات للإدارة ومحلي صدره بمسجد جميل ومطهرة فسيحة، فكان بهذا وذاك من أرقى المعاهد وأجمل المعابد، وتم بناء الطابق الثاني في عهد السلطان حسين كامل، كما يضم المعهد بجنباته مكتبة كبيرة عبارة عن حجرتين، تشمل كتبًا تراثية مخطوطة ومطبوعة، ويبلغ عدد المخطوطات ألفًا و817 عنوانًا وعدد من عناوين المجلدات والكتب 8 آلاف و384 حسب آخر إحصاء عام 2002، وسميت المكتبة في بادئ الأمر بالكتب خانة الأحمدية، وعرفت في وقت من الأوقات بدار الكتب الأزهرية، ثم أصبح اسمها المكتبة الأحمدية، وكان المقر الأول لها في الجامع الأحمدي ونقلت في عام 1975 إلى المعهد. أوقف أهل الخير أوقافًا على المعهد الأحمدي للصرف منها على طلبة العلم والمجاورين والمدرسين والعلماء والطلبة المكفوفين، الذين يدرسون أو يعلمون الطلاب بالجامع الأحمدي، وذلك رغبة من هؤلاء الواقفين تشجيع طلب العلم وإسهامًا منهم في نفقة الطلبة والعلماء والمدرسين، خاصة في زمن كان هؤلاء يحصلون على رواتب من الأوقاف. ومن أعلام المعهد الأحمدي فضيلة الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي وفضيلة الإمام محمد الظواهري، ومن طلاب المعهد الذين نبغوا وانتشر علمهم في أرجاء العالم الإسلامي الإمام محمد عبده، وسماحة الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر السابق، والشيخ جاد الحق علي جاد الحق، وكثيرون غيرهم.