حسمت تركيا أمرها من القضية الفلسطينية منذ اللحظات الأولى لبدء الصراع العربي الإسرائيلي باعتراف حكومة أنقرة بالكيان الصهيوني،لتصبح حينها أول دولة إسلامية تعترف به في مارس عام 1949، بعد أقل من عام على تأسيس الكيان، وبدا واضحًا خلال العقود الماضية أن السياسة الخارجية التركية تجاه هذا الصراع تمضي وفقا لمقتضيات ومصالح العلاقات الإسرائيلية التركية المتشعبة من زمن بعيد. محاور التلاقي التركي الإسرائيلي يوجد ارتباط وثيق بين إسرائيل وتركيا منذ نشأة الكيان الصهيوني حيث وجد الأخير ضالته في تركيا لتنفيذ نظرية شد الأطراف عن طريق التعاون مع الدول غير العربية من ناحية لتطويق العرب في أوائل الخمسينات والوقوف أمام القومية العربية التي كان يرسخ لها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من ناحية أخرى لتوسيع قاعدة الشركاء خاصة من الدول الإسلامية لشرعنة تحركاتها وانقطاع العزلة عن الكيان الصهيوني. وارتفعت العلاقات بين الكيان الصهيوني وتركيا وزاد مستوي التمثيل الدبلوماسي في عام 1952، وتم توقيع معاهدة الرمح الثلاثي بينهما في 1956 التي نصت على تبادل المعلومات الأمنية وعقد اجتماعات دورية بين رؤساء الأجهزة الاستخباراتية، وبموجبها أسس "الموساد" مركزا استخباراتيا في تركيا مقابل التقنية الاستخباراتية التي قدمتها إسرائيل لتركيا. وفي عام 1956 جاء موقف تركيا مترددا إزاء العدوان الثلاثي على مصر، ولكن تبدلت السياسه التركية تجاه عدوان 1967 كرد فعل على موقف إسرائيل تجاه الأزمة القبرصية في عام 1964 والذي كان مناهضا لأنقرة، وطالبت أنقرة إسرائيل باحترام قرارات مجلس الأمن الدولي والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة للقدس الشرقية والضفة الغربية وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان السورية. ساد البرود في العلاقات التركية الإسرائيلية خلال سبعينيات القرن الماضي، حيث ثارت حفيظة إسرائيل بسبب دعم تركيا لردود الفعل على حريق المسجد الأقصى عام 1969، ورفضت تركيا قرار منظمة المؤتمر الإسلامي بقطع العلاقات مع إسرائيل، وأكتفت بتصويتها لصالح القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. رفع العلاقات لمستوى سفراء وفي أوائل ثمانينات القرن الماضي رفعت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والكيان الصهيوني إلى مستوى السفراء، إلا أن تلك العلاقات عادت للتراجع مع إعلان إسرائيل في 30 يوليو 1980 ضم القدسالشرقية، وإعلان مدينة القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، حيث أغلقت تركيا قنصليتها في القدس، وخفضت مستوى تمثيلها في تل أبيب إلى أدنى مستوى. وفي عام 1986 رفعت العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى القائم بالأعمال، إلا أن العلاقات دخلت في مرحلة ركود أخرى بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي بدأت عام 1987، وإعلان تركيا اعترافها بدولة فلسطين التي أعلنت استقلالها في 15 نوفمبر 1988، واستمرت العلاقات بين تركيا والاحتلال على مستوى القائم بالأعمال منذ عام 1986. تركيا تساند الاحتلال في الأممالمتحدة وبدأت حدة التوتر في العلاقات بين البلدين تخف، بعد تصويت تركيا ضد مشروع قرار حظر تمثيل إسرائيل في الأممالمتحدة 1989، ومع بدء عملية السلام في الشرق الأوسط بمؤتمر مدريد للسلام عام 1991، تراجع التوتر في العلاقات العربية الإسرائيلية، وفي عام 1991 رفعت كل من إسرائيل وفلسطين من مستوى ممثلياتهما الدبلوماسية في أنقرة إلى مستوى السفارة، وتبع افتتاح تركيا قنصليتها العامة في القدس، ثم قرار مماثل لتركيا بإعادة العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى مستوى السفراء عام 1992. وفي عام 2002 صعد حزب العدالة والتنمية الإسلامي للحكم ليشوب العلاقات اضطراب ظاهري وتنسيق كامل في الباطن لترتفع مستوى العلاقات بزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس التركي عبدالله جول، لإسرائيل في عام 2005، ثم جاء الموقف التركي المعارض للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006. أولمرت يزور تركيا وخلال عام 2007 قام الرئيس الإسرائيلي إيهود أولمرت بزيارة إلى تركيا ودعاه الرئيس التركي عبدالله جول لإلقاء خطاب في البرلمان التركي وهي سابقة لم تحدث لبلد أغلبيته مسلمة، كما شاركت تركيا في المناورات مع إسرائيل وأمريكا عام 2007. وعادت العلاقات إلى الفتور مرة أخرى بين تركيا والكيان الصهيوني جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2008 ووصف أردوغان ذلك بأنه طعنة في الظهر للوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل، ورغم أن هذه المرحلة شهدت فتور إلا أنه لم يؤثر على التعاون الاقتصادي والعسكري التركي الإسرائيلي حيث أزدهر جدا بعد تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا وارتفع الميزان التجاري ليحطم رقما قياسيا جديدا حيث وصل في نهاية عام 2013 إلى 4.85 مليار دولار أمريكي بفضل زيادة الصادرات الإسرائيلية إلي تركيا. 2016 تتويج للتطبيع التركي الإسرائيلي ومثلت حادثة مرمرة تحولا في السياسة التركية المعلنة تجاه القضية الفلسطينية على خلفية هجوم القوات الإسرائيلية على أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات إنسانية، بغرض كسر الحصار المفروض على غزة، حيث إزداد المنحنى هبوطا في العلاقات بين تركيا والكيان الصهيني وتعالت الأصوات المنادية في ذلك الوقت بحقوق الشعب الفلسطيني ونقلت حركة حماس مكتبها إلى تركيا بعد الأزمة السورية، لكن مع الشهور الأولى من هذا العام ظهرت قوة العلاقة بين البلدين في إعاده التطبيع، حيث بدأت اللقاءات بين مسؤولي البلدين بشكل واضح مع عام 2016، حتى قضت المحادثات بإعلان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في 27 يونيو 2016 توصل الطرفين الإسرائيلي والتركي في العاصمة الإيطالية روما إلى تفاهم حول تطبيع العلاقات بينهما، لتبدأ مرحلة التعاون والتنسيق العلني دون الاكتراث بالقضية الفلسطينية أو غيرها من تطورات المشهد الراهن في الشرق الأوسط.