كشفت المعلومات الواردة من وزارة الصحة التركية أن حادث التفجير الذي وقع في وسط إسطنبول 19 مارس أسفر عن مقتل عدد من السياح جُلهم من الكيان الصهيوني. فمن أصل أربعة قتلى ثلاثة منهم إسرائيليون، وهم: يوناتان سوهر، سيمحا ديمري، وأفراهام غولدمان. كما أن عدد المصابين الأجانب والبالغ 24 نصفهم من الكيان الصهيوني. تطبيع دبلوماسي على مستوى الحكومات فتحت حادثة التفجير هذه ملف التطبيع بين الحكومة التركية والإسرائيلية عبر محورين: الأول السياح الإسرائيليون ومؤشرات هذا التواجد في تركيا، الثاني الزيارات الدبلوماسية التي أعقبت التفجير من قِبَل مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى لأول مرة منذ 6 سنوات لتركيا، حيث وصل دوري جولد، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية إلى إسطنبول، الأحد، بعد قطع زيارته الرسمية لواشنطن. صحيح أن زيارة جولد تأتي تحت عنوان متابعة حالة المصابين، إلا أن هناك أبعادًا دبلوماسية أخرى لهذه الزيارة، حيث قالت صحيفة "حرييت" التركية بأن من ضمن أهداف زيارة جولد إجراء مباحثات مع كبار مسؤولي الخارجية التركية. وتأتي خطورة هذه الزيارة من كونها الزيارة الأولى لمسؤول رفيع المستوى من الكيان الصهيوني منذ تخفيض التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي في تركيا إلى درجة سكرتير ثالث؛ ما يشير إلى التعاون القائم بين الجانبين، كما أن جولد نفسه كان قد ترأس كافة المباحثات السرية بين تركيا والكيان الصهيوني؛ سعيًا لتحسين العلاقات الثنائية، بعد وصولها إلى درجة القطيعة، إثر مهاجمة الكيان الصهيوني سفينة "مرمرة". يبدو أن الحكومة التركية استطاعت توظيف هذا التفجير؛ لكسر القطيعة الدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب؛ فزيارة جولد لتركيا تأتي في سياق التفجير، لكنها في الوقت نفسه استطاعت أن تفرض معادلة جديدة، مفادها أن التواجد الدبلوماسي الإسرائيلي على الأراضي التركية أصبح أمرًا واقعًا؛ ما قد يمهد لخطوة أخرى، يتم من خلالها رفع التمثيل الدبلوماسي للكيان الصهيوني في تركيا، حيث وصلت طواقم طبية وفرق إنقاذ تابعة للجيش الإسرائيلي إلى تركيا الأحد؛ لتقديم العلاج لعدد من الإسرائيليين المصابين. ويبدو أن الحكومة التركية تسير في هذا الاتجاه، خاصة بعد أن أقدم الحزب الحاكم في تركيا "العدالة والتنمية" على عزل إيرام أكتش، وهي مسؤولة لديهم في الحزب، إثر تغريدة نشرتها على حسابها في موقع "تويتر"، تم حذفها لاحقًا، تمنت فيها الموت للإسرائيليين الذي أصيبوا في هجوم إسطنبول السبت الماضي. خطوة التطبيع الدبلوماسي على الأراضي التركية بدأها جولد، الأحد، مع نظيره التركي، فريدون سينيرلي أوغلو، في إسطنبول، حيث شكره على المساعدات التركية للضحايا الإسرائيليين بعد الهجوم. وقال جولد "إن البلدين يمثلان جبهة موحدة في مكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات الإقليمية". ويبدو أن محاولات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التعمية على التطبيع بين أنقرة وتل أبيب باءت بالفشل، فعلى الرغم من أن نتنياهو نفى إجراء أي اتصال مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد التفجير، إلا أنه ردًّا على سؤال حول العلاقات الإسرائيلية التركية قال: إن هناك تقاربًا بين البلدين، نأمل أن يستمر. ونحن نجري اتصالات مستمرة مع تركيا، وليس سرًّا أننا حاولنا خلال الأيام الماضية التوصل إلى اتفاق، لكن قضايا جوهرية تعرقل التوصل إلى هذا الاتفاق. صحيفة "يديعوت أحرونوت" قالت إن هذه الزيارة تُعَدُّ رسالة سياسية بأن إسرائيل وتركيا ترغبان في إظهار التنسيق بينهما، وتأتي بعد أن ندد رئيس الحكومة الإسرائيلية في الأسبوع الماضي بالهجوم الإرهابي الذي وقع في أنقرة، وكان في السابق قد امتنع عن إدانة الهجمات الإرهابية في تركيا، وهو ما يُعَدُّ إشارة على التقدم في مباحثات المصالحة بين البلدين. وعلى صعيد متصل وصلت المفاوضات بين أنقرة وتل أبيب إلى درجة متقدمة جدًّا. فوفقًا لصحيفة "هآرتس" فإن غالبية التفاصيل النهائية للتسوية جاهزة تقريبًا، باستثناء نقطتين لا تزالان محل خلاف، الأولى هي المطالبة التركية بمسلك بحري حر لقطاع غزة، يتيح لقطعها البحرية الإبحار دون تدخل إسرائيلي، والثانية وجود حركة حماس على الأراضي التركية، في إشارة إلى ادعاء إسرائيل وجود شبكات، تصفها بالإرهابية، تابعة لناشطين من الحركة. تطبيع شعبي من بوابة السياحة بدأ الكيان الصهيوني في استثمار التفجير؛ ليوصل رسالة خفية للأتراك، عبر تذكير الشعب التركي بأهمية السياحة للاقتصاد التركي، وهو تلميح إلى أن وجود السياح الإسرائيليين في تركيا هو ضرورة لدعم اقتصادها، خاصة بعد تدهور العلاقة بين روسياوتركيا، حيث كتب تسفي برئيل في صحيفة هآرتس أن هجوم إسطنبول موجه جيدًا لضرب الاقتصاد التركي، الذي تمثل السياحة 4.5% من الناتج القومي له. وأضاف أنه بعد إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر، انخفض عدد السياح الروس بنسبة 81%، وانخفضت الدعوات السياحية في الصيف إلى أكثر من 40%. وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد كشفت النقاب في شهر فبراير الماضي عن سماح حكومة أنقرة للسياح الأتراك بالسفر إلى الكيان الصهيوني، بعد 3 سنوات من القطيعة بين البلدين. وأكدت الصحيفة أن تل أبيب أصبحت بديلًا عن روسيا في مجال سفر السياح الأتراك. يُذكَر أن موسم السياحة الشتوية في تركيا شهد ارتفاعًا في أعداد السائحين الوافدين من الكيان الصهيوني مقارنة بالفترة نفسها في العام الماضي. وذكرت مجلة مونيتور المتخصصة في مجال السياحة أن شهر يناير الماضي سجل ارتفاعًا وصل إلى 67% في عدد السائحين الإسرائيليين الذي أمضوا عطلتهم في تركيا. وخلال هذا الشهر زار تركيا ما يقرب من 12 ألف إسرائيلي، مقابل 7 آلاف فقط في المدة نفسها من العام الماضي. التفجير لن يؤثر في تدفق السياح الإسرائيليين على تركيا، وسيحاول الكيان الصهيوني استغلاله جيدًا. فالحاخام الأكبر ليهود تركيا قال "إن الوضع في تركيا ليس خطيرًا، ولم يتغير عن السابق"، معربًا عن أمله في أن يؤدي هذا الحادث إلى التقريب بين إسرائيل وتركيا، كما أن الحكومة التركية سعت عام 2013 للتخطيط لحملة إعلانية ميزانيتها أكثر من مليون دولار، تحت عنوان "أنت مُرحَّب بك في تركيا"، تهدف لاستقطاب السائح الإسرائيلي، وفقًا لصحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية الاقتصادية.