بعد مرور أكثر من خمس سنوات على حادث سفينة "مرمرة" التركية 31 مايو عام 2010، ومرور أكثر من عام كامل على وقف المفاوضات بين الطرفين التركي والإسرائيلي، تم استئناف مفاوضات المصالحة بين الطرفين مجددا، حيث ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن اتصالات بين أنقرة وتل أبيب تجددت مؤخرًا. كشفت تقارير صحفية إسرائيلية عن لقاء سري عقد في العاصمة الإيطالية روما بين اثنين من المسئولين البارزين من إسرائيل وتركيا بهدف إحياء محادثات المصالحة وبلورة اتفاق، وأوضحت صحيفة "هآرتس" الصهيونية على موقعها الإلكتروني، أنه بعد أكثر من عام على التوقف الكامل، تم استئناف المحادثات الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق مصالحة بين الجانبين بلقاء سري بين مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية "دوري جولد"، ونظيره التركي "فريدون سينيرليوجلو". ونقلت الصحيفة عن مسئول صهيوني بارز أن "جولد" غادر سرًا إلى روما، الاثنين الماضي للقاء "سينيرليوجلو" المسئول عن الملف الإسرائيلي في الحكومة التركية، ورئيس فريق التفاوض التركي المسئول عن حل الأزمة مع تل أبيب. وأشارت الصحيفة إلى أن "جولد"، الذي يعد الرفيق المقرب من رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" تم مؤخرا تعيينه مديرًا عامًا لوزارة الخارجية، لم يطلع مستشار الأمن القومي "يوسي كوهين" ولا المبعوث الخاص لمكتب رئيس الوزراء إلى تركيا "يوسف تشيخانوفير" بأمر سفره، على الرغم من أن الأخير كان مسئولًا لملف العلاقات مع حكومة "رجب طيب أردوغان" لمدة خمس سنوات، مضيفة أنه أبقى خطوط الاتصال مفتوحة مع "سينيرليوجلو"، ونقلت الصحيفة عن مسئول إسرائيلي قوله إنه بسبب حساسية المسألة، فإنه قبل سفر "جولد"، لم يجر أي مباحثات منظمة بشأن وضع المفاوضات. وتعود بداية الأحداث عام 2010 عندما حاول أنصار القضية الفلسطينية من عدة دول مختلفة الوصول إلى قطاع غزة الذي كانت تفرض عليه إسرائيل حصار مميت، حيث تم تنظيم أسطولين بحريين يحتويان على موادًا تحظر السلطات الإسرائيلية دخولها، وتحرك الأسطول الذي أطُلق عليه "أسطول الحرية" من تركيا باتجاه غزة، وكان يضم أكثر من 50 دولة مختلفة، وكان من أبرز المشاركين فيها أعضاء من البرلمان الأوروبي والألماني والإيطالي والإيرلندي، وأعضاء آخرين من البرلمان التركي والمصري والكويتي والمغربي والجزائري والأردني، وكذلك أعضاء عرب من الكنيست الإسرائيلي، بالإضافة إلى أكثر من 750 شخصية ناشطة في المجال الحقوقي تضم عددًا من الإعلاميين. اعترضت البحرية الإسرائيلية الأسطول ودارت على متن السفن مواجهات بين الناشطين وقوات الاحتلال أسفرت عن مقتل 9 من الأتراك، واعتقال العشرات من المشاركين بالأسطول، تم لاحقًا الافراج عنهم، وهنا اندلعت المشكلة بين البلدين. ومع بداية الحديث عن فتح باب التفاوض لإنهاء الأزمة وضعت تركيا ثلاثة شروط أساسية أولها الاعتذار عن حادثة السفينة التركية "مرمرة"، وبالفعل خلال زيارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، إلى تل أبيب في مارس عام 2013، جرت مكالمة هاتفية بين "نتنياهو" و"أردوغان"، اعتذر فيها "نتنياهو" عن مقتل المواطنين الأتراك على سفينة مرمرة، وفي أعقاب تلك المكالمة، بدأت مفاوضات بين الطرفين للتوصل إلى اتفاق مصالحة، ولكن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود. في ديسمبر من عام 2013، توجه وفد المفاوضات الإسرائيلي إلى اسطنبول لإجراء محادثات، وبعد عدة أسابيع وصل طاقم المفاوضات التركي إلى البلاد لمواصلة المحادثات، وفي فبراير من العام 2014، وضعت مسودة اتفاق بين الطرفين، وعدا عن مبلغ التعويضات، فقد تم التوصل إلى تفاهمات بشأن تشريع قانون في البرلمان التركي يلغي كل الدعاوى ضد جنود وضباط الجيش الإسرائيلي الذين شاركوا في الهجوم الدموي على سفينة مرمرة، إضافة إلى تطبيع العلاقات بينهما، وفي حينه، أجل "نتنياهو" القرار لمدة طويلة، وفي النهاية لم يتم التوقيع على المسودة. رغم هذه التطورات، إلا أن العلاقات الاقتصادية والتجارية لم تتأثر وهو ما دفع المراقبين إلى وصف السياسة الخارجية التركية ب"الازدواجية"، حيث تواصل التبادل التجاري بين البلدين مسجلًا أرقامًا غير مسبوقة، كما ارتفع الميزان التجاري بين إسرائيل وتركيا بنسبة 25% خلال العامين الأخيرين، بحسب ما ورد على لسان القنصل الصهيوني في إسطنبول "شاي كوهين" الذي أكد أن تل أبيب أصبحت شريكًا تجاريًا قويًا لتركيا في المنطقة. ونقلت صحيفة "ميللي جازته" التركية، عن القنصل الصهيوني قوله إن حجم الصادرات التركية إلى تل أبيب قفز ل 2.925 مليار دولار عام 2014، مسجلا زيادة قدرها 94.34% بعد أن كان نصف مليار دولار فقط في عام 2009، وأشار القنصل إلى أن الزيادة الملحوظة في حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب لم تقتصر على الصادرات التركية لإسرائيل فقط، بل شهدت الواردات الإسرائيلية لتركيا أيضًا زيادة ملحوظة خلال الفترة الأخيرة. وأشارت عدة تقارير إلى استمرار التعاون العسكري بين أنقرة وتل أبيب، بالإضافة إلى استعمال قاعدة الإنذار المبكر في ملاطيا لصالح القبة الحديدة الإسرائيلية لرصد أي صواريخ تطلقها الفصائل الفلسطينية وتحديد أماكنها.