47 فدانا.. من أهم المناطق الاستراتيجية التي تقع في قلب القاهرة مثلث ماسبيرو، ذلك المثلث الذهبي الذي يطل على الكورنيش ويلتصق بمبني وزارة الخارجية، ويجاور القنصلية الإيطالية وأشهر فنادق العاصمة، به أكثر من 5 آلاف أسرة، يحتمون بما تبقى من جدران قديمة كادت أن تسقط بفعل الزمان، الأهالي يتمسكون بحلم التطوير الذي وعدتهم به الحكومات المتلاحقة، خاصة بعد ثورة يناير بعد استحداث وزارة الدولة لتطوير العشوائيات برئاسة الدكتورة ليلي إسكندر في حكومة محلب الماضية. لكن وزارة التطوير الحضري للعشوائيات مع تغيير حكومة محلب أصبحت ذاتها تحتاج إلى تطوير، حيث لم يتبق منها سوى اطلال من تصريحات الوزيرة التي حازت علي ثقة المواطنين وحبهم، لكنهم لم يجدوا ما يكمل خطوات التطوير التي بدأت من قبل، لتصبح مخاوف التهجير القسري تلوح من جديد في الأفق، بعد استمارة من وزارة الإسكان تم توزيعها على الاهالي تضم أسعار الشراء في العقارات الجديدة بعد التطوير، التي جات مخيبة للآمال بكل تأكيد، بأسعار مرتفعة لا تلائم مواطنين يعمل معظمهم في القطاع غير الرسمي بالمهن البسيطة. جاءت الاستمارة تحت عنوان «استمارة رغبات الشاغلين فقط بمنطقة مثلث ماسبيرو حي بولاق» وحصلت «البديل» على صورة منها، كالصدمة على رؤوس الأهالي، حيث تضمنت ثلاث رغبات الأولى موافقة الأهالي على وحدة سكنية بديلة خارج المنطقة بالإسكان الاجتماعي في مدينة بدر أو 6 أكتوبر أو العبور، لتتضمن عدة شرائح حسب الحالات؛ الأولى تعويض سكني للغرفة تكون قيمة التعويض النقدي 45 ألف جنيه، تسددها الحكومة للاسرة ليتبقى عليها 95 ألف جنيه ؛ لأن إجمالي الوحدة السكنية في إحدى مناطق الجديدة بقيمة 155 ألف جنيه، وتكون قيمة القسط لشهري ألف جنيه. وهناك شريحة للتعويضات أخرى عندما يكون 2 غرفة للأسرة تدفع الدولة 90 ألفًا، وصولًا إلى 4 غرف تكون قيمة التعويض 180 ألفًا، وتسدد الأسرة باقي المبلغ للوحدة السكنية الجديدة. أما الرغبة الثانية في الاستمارة تضمنت حصول أهالي المثلث على وحدة سكنية بديلة بنفس المنطقة وتكون مساحتها 50 مترًا بسعر 600 ألف جنيه، بدون دهشة أو محاولة تخمين أن الرقم خاطئ، فهذه حقيقة الدولة تريد تهجير الأهالي من منازلهم وتحصل على الأرض التي يقدر المتر فيها بآلاف الجنيهات، ثم تطلب في النهاية من المواطن الفقير دفع 600 ألف جنيه ثمن الشقة البديلة في المنطقة ذاتها، وليبدأ القسط الشهري مع هذا السعر من 4 آلف و200 إلى 5 آلاف و600جنيه!! أما الرغبة الثالثة في الاستمارة حصول الأهالي على تعويض مادي فقط، ليبحثوا مع أنفسهم على وحدات سكنية بديلة في أي مكان! وليكون التعويض حسب عدد الغرف، ليبدأ بغرفة واحدة مقابل 45 ألف جنيه لينتهي لسبع غرف بمقابل مادي 315 ألف جنيه فقط. يقول محمود شعبان عيسي، عضو رابطة شباب وأهالي مثلث ماسبيرو وممثل المستأجرين: الاستمارة جاءت مخيبة لآمال الأهالي، وحلمهم بتطوير المنطقة وحصولهم على وحدات سكنية بديلة، كما وعدت الدولة والرئاسة بعدم المساس بحقوق سكان العشوائيات، لتصبح استمارة التهجير وليست التطوير، معربًا عن أن الاستمارة جاءت لتطالب الأهالي بالتهجير الذاتي في ضوء هذه الأرقام الفلكية للوحدات السكنية والقسط الشهري. وأوضح أن 95% من أهالي المثلث غير قادرين، وظروفهم الاقتصادية لن تسمح لهم بالشراء بهذه الأسعار المرتفعة، في الوقت ذاته، أغلقت الأبواب كلها أمام الأهالي الفقراء، فإما القبول بمبلغ هزيل مثل 45 ألف جنيه للغرفة الواحدة، أو شراء وحدة سكنية بأكثر من نصف مليون جنيه، مشيرًا إلى أن آخر حصر للأهالي قامت به محافظة القاهرة وصندوق تطوير المناطق العشوائية في أبريل 2015 وصل إلى 5 آلاف و582 وحدة سكنية بالمثلث. وأكد شعبان أن الأهالي يرفضون التهجير من منازلهم التي ارتبطوا بها تاريخيًّا ووجدانيًّا، والأهالي يشعرون بمماطلة الحكومة وتهربها من تنفيذ وعودها السابقة بتطوير المنطقة وإعادة تسكين الأهالي بها، ومن ثم تخرج مثل هذه الاستمارات المجحفة حتى يمل الأهالي فيلوذون بالهرب حاصلين على أي تعويض ظالم. وأضاف شعبان أنه في لقاء ممثلي الرابطة، منذ أيام، مع وزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولي، تم توضيح رفض الأهالي الاستمارة، بل طرحت الرابطة عدة حلول للخروج من هذا المأزق؛ أبرزها العمل بنظام الإيجار في الوحدات داخل المثلث بعد التطوير الذي يبدأ من 105 حتى 250 ألف جنيه، كما في إسكان السلام والنهضة وأكتوبر، واستغلال نسبة الدولة في المثلث، وهي عبارة عن 18% من المساحة الإجمالية، مقسمة إلى شوارع، حوارٍ، أزقة، حيث إن هذه النسبة سترد إلى الدولة بعد الانتهاء من توزيع النسب الخاصة للملاك، ويمكن للدولة أن تقيم عليها مشروع التطوير وإجبار الشركات على خط التنظيم الذي تقرره الدولة. ومن الاقتراحات الأخرى العمل بنظام القسط التملكي بدون امتلاك حصة في الأرض للشاغل، والمحاسبة على ثمن الوحدة فقط، كما في الإسكان الاجتماعي المقدم من الدولة للمواطنين، وأخيرًا أن تكون مساحة الشقة داخل المثلث بعد التطوير من 63 إلى 68 مترًا كما في الإسكان الاجتماعي، وليس 50 مترًا، كما المقدم من الدولة في باقي المناطق العشوائية المطورة، أما في حالة تعذر الدولة الوصول إلى حلول، طالبت الرابطة الدولة بإلغاء قانون حظر التنكيس داخل المثلث، حتى يتثنى للأهالي إصلاح منازلهم بدلًا من السقوط فوق رؤوسهم. من جانبها تقول فاطمة زكريا، أحد أهالي المثلث: إنها تعيش فيه منذ ولادتها 37 عامًا، قضتها بين هذه الشوارع الضيقة والبيوت القديمة، وعلى مدى هذه السنوات الطويلة لم تنقطع الوعود بالتطوير تارة بالتخويف وإرهاب الإهاب الأهالي، وتارة بالسياسة. لا تعلم فاطمة حقيقة ما يدور في الأروقة الحكومية للتعامل مع هذه القطعة الذهبية من الأرض المسماة المثلث، في ظل تصريحات متضاربة منشورة باستمرار، تقول: «أنا وأمي نعيش بما تركه الأب من معاش يكاد يغطي تكاليف المعيشة الباهظة، فلا تعلم كيف يمكنها سداد قسط في وحدة سكنية مساحتها 50 مترًا، ليصل شهريًّا إلى 4 آلاف جنيه، وتعتقد أن أقصي مبلغ يمكن أن توفره للقسط هو 600 جنيه فقط. واختتمت زكريا كلامها متسائلة: لماذا لا تتم معاملة سكان المثلث مثل عشوائيات زينهم والعجوزة القديمة، بأن يتم نقل الأهالي إلى مساكن جديدة بديلة بعد تطوير القديمة؟ موضحة أنها غير متفائلة بحدوث ذلك؛ نظرًا للموقع الاستراتيجي للمنطقة وقربها من وسط العاصمة والوزارات المختلفة، لكن ما تؤكده هو عدم خروج الأهالي من منطقتهم أو قبولهم تعويضات بخسة ظالمة. ويقول حمدي عرفة، خبير الإدارة المحلية واستشاري تطوير المناطق العشوائية: إن غياب رؤية التطوير في مثلث ماسبيرو متوقعة، في ظل غياب رؤية واضحة لملف تطوير العشوائيات في مصر، فالدولة استحدثت وزارة الدولة للتطوير الحضري، ثم ألغتها، ولا نعرف لماذا تمت ولماذا اختفت، وتم استبدال الوزارة بمنصب الدكتور أحمد درويش، مساعد وزير الإسكان لتطوير المناطق العشوائية، الذي لا نعرف أيضا خطته في هذا الملف، فضلًا عن ضعف إمكانيات صندوق تطوير العشوائيات فنيًّا وبشريًّا، حيث يعمل به 27 موظفًا فنيًّا تكنيكيًّا مطلوبًا منهم تغطية عشوائيات 27 محافظة ورسم خريطة جديدة للتخطيط العمراني لهم، وهذا لا يمكن أن يحدث. وأوضح أن أزمة المثلث تحتاج إلى التفاوض مصحوبًا بالقوة؛ لأن جميع القاطنين ليست لديهم أحقية امتلاك وحدات سكنية، فالبعض استولى على مكان كشك صغير وحوله لغرفة مثلًا، ومن ثم يجب أن يكون هناك حصر دقيق للأهالي ثم إزالة المنطقة بالكامل، وبناء وحدات جديدة يتملك فيها أصحاب الحقوق فقط. وأوضح أن هناك حلًّا اجتماعيًّا آخر، لكن لا تقبله الحكومة وهو تأسيس شركة مساهمة يتملك فيها الأهالي مع الحكومة ومحافظة القاهرة والحي، ويتم توزيع إيرادات الأسهم على القاطنين، حيث تتضمن هذه الشركة حصول الأهالي على تعويضات أو مقابل مادي يلائم السعر الحالي، وليس ذلك المبلغ من التعويض وهو 45 ألف جنيه!