بدأت الجهود الإقليمية الساعية إلى حل صراع قره باغ بين أرمينيا واذريبجان تظهر ملامحها، في محاولة لنزع فتيل التصعيد بين يريفان وباكو، على خلفية استمرار المواجهة العسكرية في هذه المنطقة، حيث استضافت مدينة سان بطرسبورج الروسية قمة «روسية أرمنية أذربيجانية» جديدة، في أعقاب الهدوء الحذر الذي شاب المنطقة التي شهدت اشتباكات عنيفة أسفرت عن قتلي من الجانبين. وقال الكرملين: «إن الرئيس الروسي فلادمير بوتين التقى الاثنين رئيس أرمينيا سيرج سركسيان ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف؛ ليبحث معهما تسوية النزاع في إقليم قره باغ»، وقال يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي: «بوتين سيجري لقاءين منفصلين مع كل من سركسيان وعلييف، ثم سيجري رؤساء الدول الثلاث محادثات مشتركة، وأضاف أوكاشوف أن الجانب الروسي «سيحاول جاهدًا مساعدة الطرفين على إيجاد حل للنزاع»، مشيرًا إلى أن روسيا لعبت دورًا حاسمًا في وقف الأعمال القتالية التي شهدها إقليم قره باغ مطلع أبريل الماضي. وشهدت منطقة قره باغ التي أعلنت عن قيام جمهورية مستقلة في عام 1991 بعد نزاع مسلح دموي استمر منذ عام 1987، تصعيدًا حادًّا في 2 أبريل الماضي، أسفر عن سقوط عشرات القتلى من الطرفين، وفي 5 أبريل توصل الطرفان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة هيئة الأركان العامة للجيش الروسي. الاتهامات المتبادلة وعدم توافر إرادة الحل ثمة من يرى أن هذه المفاوضات القائمة تواجه الكثير من المعوقات والتحديات أبرزها الاتهامات المتبادلة بين الجانبين بانتهاك الهدنة بشكل يومي تقريبًا، وهو ما ظهر عشية القمة الثلاثية بين روسياوأرمينياوأذربيجان، عندما تبادل يريفان وباكون مجددًا الاتهامات باختراق مبادرة وقف إطلاق النار. وتقول أذربيجان: إن عمليات القصف التي تستهدف أراضيها مصدرها ليس منطقة قره باغ فحسب، بل ومواقع الجيش الأرمني في أرمينيا أيضًا، بينما تتهم يريفان باكو بشن عمليات قصف عشوائية، تستهدف مناطق حدودية أرمنية، بالإضافة إلى أراضي قره باغ، وتطالب أرمينياأذربيجان بإطلاق مفاوضات مباشرة مع حكومة قره باغ حول تسوية النزاع، وتلوح بإمكانية الاعتراف ب«جمهورية قره باغ» التي أغلب سكانها من الأرمن. علاقة أذريبجان والروس القديمة العلاقة بين الأذرييجانيين والروس، والتي مرت بمراحل توتر عدة، قد تكون عائقًا أمام الوصول إلى حل برعاية روسية، فطالما اتهمت أذريبجان روسيا في السابق بمساعدة أرمينيا في الصراع الدائر بين الجانبين. ومنذ قبل العهد السوفياتي كانت العلاقات بين الجانبين مميزة، حيث كان يضفي على أذريبجان طابعًا علمانيًّا، وكانت الجمهورية الديمقراطية الأذربيجانية، التي أُعلنت في عام 1918، أول جمهورية عَلمانية في العالم الإسلامي، وأول دولة تمنح المرأة حق الانتخاب، أما في العهد السوفياتي فتميزت أذريبجان بالتنوع الثقافي الواسع، خاصة في العاصمة باكو؛ حيث كان الأرمن يعيشون جنبًا إلى جنب مع العرقيات والطوائف كافة في العاصمة الأذرية الأممية المسلمة، بيد أن الأمور بدأت بالتغير عام 1988، حين بدأت قبضة الكرملين تتراخى على الجمهوريات السوفياتية قبيل تفكك الاتحاد السوفياتي، وبدأ إقليم قرة باغ الأذربيجاني الذاتي الحكم بمطالبة موسكو بالانفصال عن جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفياتية. ومنذ ذلك الحين بدأ الصراع وتدهور العلاقات نسبيًّا بين الروس والأذر؛ بسبب وقوف روسيا على الحياد، حيث قال الرئيس الأول والأخير للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف آنذاك: «يأتيني خمسة علماء ويؤكدون لي أن الحق مع الأرمن، ويأتي خمسة آخرون ويؤكدون أن الحق مع الأذريين»، أما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991، فقد دعم الرئيس الروسي بوريس يلتسين ووزير دفاعه بافل غراتشوف الجانب الأرميني بغير حدود. وأورد أحد المواقع الروسية، فيستنيك قفقازا، يوم 27 ديسمبر 2015، تأكيد الإعلامي الروسي الشهير ألكسندر نيفزوروف بأن «القوات الروسية الخاصة من فرقة بسكوف شاركت عام 1992، وعلى نطاق واسع في الحرب إلى جانب الأرمن»، ويعلل كثيرون وقوف روسيا بجانب الأرمن؛ بسبب امتلاكها قاعدة عسكرية بارمينيا. اللاعبون الإقليمون والعلاقة التركية الأذرية العلاقة القوية التي تربط الأذر بتركيا قد تكون أحد المعوقات أيضًا لهدوء جبهة القتال الأذرية الأرمينية برعاية روسية، حيث ينظر كثيرون على أن اشتعال الصراع في «إقليم قرة باغ» المتنازع عليه بين الجارتين هو في الأساس إحدى نتائج الحروب الإقيليمة الباردة، خاصة التي تقع بين روسياوتركيا التي بدأت في أعقاب إسقاط تركيا طائرة عسكرية روسية على الحدود السورية التركية. وتربط أنقرة علاقات قوية بحكومة أذريبجان، فتعتبر تركيا الشريك التقليدي لأذربيجان، وبطبيعة الحال تدعمها ضد أرمينيا، التي تشهد علاقاتها مع الأولى حالة غليان شديد، بسبب «مذابح الأرمن»، التي ارتكبت في ظل الدولة العثمانية عام 1915، وترفض أنقرة الاعتراف بها. ومنذ بدء هذا الصراع بين أرمينيا وأذربيحان تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدعم أذربيجان «حتى النهاية»، ونقلت الرئاسة التركية عن أردوغان قوله: «نصلي من أجل انتصار أشقائنا الأذربيجانيين في هذه المعارك بأقل خسائر ممكنة»، وهاجم أردوغان أيضًا مجموعة مينسك المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تسعى منذ سنوات في ظل رئاسة فرنساوروسيا والولايات المتحدة إلى إيجاد حل للنزاع، لكن من دون جدوى، وقال: «لو اتخذت المجموعة إجراءات عادلة وحاسمة، لما كانت حصلت مثل هذه الأمور». على جانب آخر، يتهم المسؤولون الأرمن الحكومة التركية بتأجيج الصراع مع الأذريين، فقد أصدرت وزارة الخارجية الأرمينية بيانًا رسميًّا، اتهمت فيه أنقرة بتحريض أذربيجان على القيام بأعمال عدائية ضد إقليم «قرة باغ»، الذي شهد اشتباكات خلال الأيام الماضية، تعد الأعنف منذ إعلان وقف إطلاق النار عام 1994. لذا من المتوقع أن تكون فرص حل هذا الصراع أقوى، بعد إعادة العلاقات الروسية التركية إلى مجراها الطبيعي، بعد تلويح الحكومة التركية في الفترة الأخيرة أن هناك رغبة لدى انقرة بتحسين العلاقات التركية الروسية.