يبدو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أصابت المفاوضات الأفغانية مع الأحزاب المتشددة في مقتل، فعلى الرغم من أن أمريكا استطاعت اغتيال أختر ملا منصور، حيث صرحت وزارة الدفاع الأمريكية السبت الماضي، أنها استهدفت زعيم حركة طالبان الملا منصور بغارة نفذتها طائرة من دون طيار، وأن الغارة نفذت على الحدود الأفغانية الباكستانية، إلا أن واشنطن أعادت المفاوضات بين الحكومة الأفغانية والتنظيمات المتطرفة إلى نقطة الصفر، فالاغتيال يتزامن مع جولة جديدة من الاجتماعات في باكستان لمسؤولين من باكستانوالولاياتالمتحدة والصين وأفغانستان؛ بهدف وضع الأساس لمحادثات سلام مع طالبان، التي رفضت الانضمام للمحادثات، بعد أن نجحت الحكومة الأفغانية الثلاثاء الماضي في توقيع اتفاق سلام مع الحزب الإسلامي المعارض، مقابل تعهّد الحكومة برفع اسم زعيم الحزب قلب الدين حكمتيار، ومسؤولين آخرين فيه، من قائمتي الولاياتالمتحدة والأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية، وعدم محاكمتهم بسبب الجرائم التي ارتكبوها حتى اليوم، الأمر الذي اعتبره محللون خطوة كبيرة تمهد لمفاوضات الحكومة مع طالبان. طالبان والزعيم المقبل يرجح أن يكون القيادي الأفغاني سراج الدين حقاني، وهو خليفة محتمل للملا أختر منصور، خصمًا أكثر خطورة على الحكومة الأفغانية وحلفائها الأمريكيين، ومن المتوقع أن يؤدي الهجوم الذي أسفر عن مقتل منصور إلى تبديد أي احتمال لبدء محادثات السلام على الفور، في الوقت نفسه يستبعد مراقبون أن تقبل السلطة العليا في الحركة (شورى كويتا) بحقاني، خصوصًا أنه كان يُخشى، سابقًا، من محاولة الرجل، بمساعدة الاستخبارات الباكستانية، الاستيلاء على الحركة، وإنْ تمّ تعيين حقاني، فستتعرّض الحركة لخلافات داخلية أكثر، وهو ما تأمله واشنطن، لكن في الوقت عينه، فإن مقتل أختر منصور قد يعد فرصة لإجماع طالبان على شخصية تخرجهم من المأزق الحالي ولتوحيد الموقف، وفقًا للمراقبين، حيث يحاول حقاني تحقيق المصالحة مع فصائل من طالبان رفضت زعامة منصور منذ العام الماضي، عندما اتضح أن مؤسس الحركة الملا محمد عمر توفي قبلها بعامين، الأمر الذي تحاول أمريكا استثماره لتكريس الانشقاقات داخل طالبان، حيث قالت وول ستريت جورنال إن الحكومة الأفغانية بمساعدة واشنطن تقوم باستخدام المال والسلاح والذخيرة لشق صفوف حركة طالبان، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أفغان وأمريكيين أن كابل تتعامل مع أحد أجنحة طالبان التي يتزعمها القائد الميداني الملا محمد رسول، وتنتشر العناصر الموالية له في محافظات زابل وهلماند (جنوب) وباكتيكا (شرق البلاد) وفاراح وهيرات (غربها)؛ بهدف حثهم على الانخراط في محادثات سلام مع الحكومة، وتهدف خطة التمويل إلى استغلال الانشقاقات التي ظهرت بطالبان عقب الكشف في يوليو الماضي عن وفاة قائد طالبان السابق الملا محمد عمر 2013، والتي أثارت جدلًا داخل المراتب الأعلى لحركة طالبان، حيث أثيرت اتهامات بأن أختر منصور ربما تآمر مع بعض حلفاء القبائل أو العناصر الموالية في باكستان لاغتيال الملا عمر. مخاطر قتل منصور مقتل منصور وضع طلبان وقادتها أمام مخاطر كبيرة، حيث طُرحت أسئلة كثيرة من داخل الحركة حول أسباب استهدافه وعملية مراقبة الرجل وهو مسافر بشكل فردي مع سائقه، الأمر الذي قد يلقي بظلاله في داخل الحركة وعلاقتها مع باكستان، فهناك من قال إن الملا منصور قُتل على أثر الخلافات الداخلية في الحركة، ما ساعد واشنطن في الوصول إليه، فيما لا يستبعد آخرون أن يكون الأمر قد وقع بالتنسيق مع باكستان، وقتها سيكون جميع قيادات الحركة الموجودين على أراضيها في خطر، كما أن تنسيق واشنطنوإسلام أباد في حال حدوثه، يعني أن باكستان فعلًا غيّرت استراتيجيتها تجاه طالبان، وإنْ تأكّدت هذه الفرضية، فإن ذلك سيخلق فجوة بين طالبان وباكستان، تُقرّببين الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة الباكستانية، وفي مقدمتها حركة طالبان باكستان وبين طالبان أفغانستان. أما إذا كان اغتيال منصور من قِبَل واشنطن خلافًا لرغبة باكستان ومن دون التنسيق معها، فالفرضية من شأنها أن تزيد الخلاف بين واشنطنوإسلام أباد كما حدث إبان مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 2011، وقد تكون هذه الفرضية هي الأقرب، خاصة أن بيان المتحدث باسم الخارجية الباكستانية، محمد نفيس زكريا، أكد الأحد أن الغارة الجوية التي شنتها الولاياتالمتحدةالأمريكية لاستهداف زعيم طالبان الملا أختر منصور انتهاك لسيادة أراضيها، ونوه المتحدث باسم الخارجية الباكستانية بأن اجتماع مجموعة التنسيق الرباعية حول أفغانستان، والذي عقد يوم 18 مايو في إسلام آباد، أكد ضرورة التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض السياسي كخيار وحيد قابل للتطبيق؛ لتحقيق سلام دائم في أفغانستان، مع دعوة طالبان إلى التخلي عن العنف والانضمام إلى محادثات السلام، البيان الذي من شأنه أن ينفي أي تنسيق بين الحكومة الباكستانيةوالأمريكية حول اغتيال الملا منصور، على الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أكد الأحد الماضي أن واشنطن أخطرت المسؤولين في باكستانوأفغانستان بنية الولاياتالمتحدة توجيه ضربة جوية ضد زعيم طالبان الأفغانية الملا منصور.