تحولات سياسية جديدة تضرب حركات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط الأيام القليلة الماضية في أعقاب سقوط جماعة الإخوان المسلمين من المشهد السياسي المصري بعد ثورة 30 يونيو، حيث تعددت الانشقاقات، وكثرت الانفصالات، وظهرت الانقسامات، الأمر الذي نتج عنه مشهد سياسي مغاير في الشرق الأوسط. كان آخر هذه المشاهد في تونس، حيث أعلنت حركة النهضة، والتي تعتبر مكونًا من مكونات الإسلام السياسي وإحدى الحركات المرتبطة بجماعة الإخوان في المنطقة، عن فصل العمل السياسي عن الدعوي، في إشارات توضح انفصالها عن الجماعة والتنظيم للدولي للإخوان، بالتزامن مع مؤتمرها العاشر، والذي بدأ فعالياته في رادس جنوبتونس أمس الجمعة، وأفرز فوز علي العريض، الأمين العام للحزب، رئيسًا للمؤتمر، الذي سوف تستمر أعماله ثلاثة أيام، وسط توقعات بانتخاب الغنوشي رئيسًا للحزب لولاية أخيرة. مؤسس حركة النهضة التونسية ورئيسها راشد الغنوشي أكد أنه سيتم فصل العمل الدعوي عن السياسي، والتحول إلى حزب مدني، مؤكدًا أن النهضة حزب سياسي ديمقراطي ومدني، له مرجعية قيم حضارية مسلمة وحداثية، وأن الاتجاه الآن نحو حزب يختص فقط بالأنشطة السياسية، موضحًا أن الحركة ستخرج من الإسلام السياسي؛ لتدخل في الديمقراطية المسلمة، قائلًا «نحن مسلمون ديمقراطيون، ولا نعرّف أنفسنا بأننا جزء من الإسلام السياسي»، مردفًا «نريد أن يكون النشاط الديني مستقلًّا تمامًا عن النشاط السياسي. هذا أمر جيد للسياسيين؛ لأنهم لن يكونوا مستقبلًا متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية، وهو جيد أيضًا للدين؛ حتى لا يكون رهن السياسة وموظفًا من قِبَل السياسيين». في الوقت نفسه تباينت ردود أفعال الأحزاب التونسية تجاه هذه التغيرات، فبينما أكدت أحزاب ومسؤولون، على رأسهم الرئيس التونسي باجي قائد السبسي، أن حزب النهضة أصبح مدنيًّا، لا يحتكر الحديث باسم الدين، وأن الحزب استفاد من تجربة الإخوان المسلمين في مصر، ونجح في تشكيل صورة جديدة عن نفسه، لا تثق أحزاب معارضة علمانية تونسية في التغييرات التي أعلنها الغنوشي، مؤكدين أن الحركة لن تتنازل أبدًا عن مبادئها ومرجعيتها، معتبرين الحركة جزءًا من «جماعة الإخوان المسلمين»، في حين تنفي النهضة ذلك باستمرار، وتقول إنها حزب تونسي ذو مرجعية إسلامية. وكان حزب النهضة أول حزب يصل إلى السلطة في تونس إثر الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، بعد أن فاز في أول انتخابات أعقبت سقوط النظام، فيما شهد الحزب بعد عامين أو أكثر من حكمه صراعات داخلية بين المعتدلين والمتشددين في صفوفه، وأجبر مقتل اثنين من قادة المعارضة وتعامل الحزب مع السلفيين إلى تنازله عن السلطة خلال فترة حكمه الأولى، كما أظهرت الانتخابات البرلمانية والرئاسية فقدان شعبية النهضة لدى الشارع، حيث فاز غريمه التقليدي بالأغلبية في البرلمان والانتخابات الرئاسية؛ ليصعد القائد باجي السبسي رئيسًا لتونس. وقبل المؤتمر العاشر بأيام خرجت رسالة منسوبة للغنوشي تؤكد رغبته في الانفصال، بالقول إن الانفصال بين الحركة والجماعة قريب. ودار أغلب الخطاب المنسوب إليه حول أن حركة النهضة ستنفصل نهائيًّا عن التنظيم الدولي للإخوان، بزعمهم قوله: "أنا الآن أعلن أمامكم أن تونسيتي هي الأعلى والأهم. لا أريد لتونس أن تكون ليبيا المجاورة ولا العراق البعيد. أريد لتونس أن تحمي أبناءها بكل أطيافهم وألوانهم السياسية. أنا وبالفم الملآن أعلن لكم أن طريقكم خاطئ، وجلب الويلات على كل المنطقة". لكن هذه الرسالة بعد تدوالها بشكل واسع محليًّا وخارجيًّا نفاها مكتب الغنوشي جملة وتفصيلًا، قائلًا «يهمنا أن نؤكد بأن هذه الرسالة عارية تمامًا من الصحة». ويرى المراقبون، الذين يشككون في السنياريو الذي تضعه النهضة التونسية بتحولها إلى حزب سياسي، أن فك الارتباط بين الحركة والجماعة ليس بالأمر السهل، فالعلاقة بين الطرفين معقدة، وتحكمها بيعة مقدسة؛ ما يجعل خروج النهضة من التنظيم الدولي للإخوان عملية معقدة وغير واردة أصلًا. واستند أصحاب هذا الرأي إلى أنه ليس هناك مؤشرات حقيقية على الأرض تؤكد أن النهضة قطعت صلاتها الفكرية والتنظيمة بالإخوان، بل إن أغلب الشواهد تؤكد أن العلاقة متجذرة بين الجانبين، وأرجع هؤلاء السبب الأكبر لتحولات النهضة إلى أن جماعة الإخوان أصبحت محل ملاحقة من دول عربية وأوروبية، بعد إعلان السعودية والإمارات وعدد من الدول الأخرى تصنيفها جماعة إرهابية، فضلًا عن الضغط على داعميها من الدول الأخرى؛ من أجل فك الارتباط بها. هذا القرار الخليجي والاتهامات الأوروبية لجماعة الإخوان وإسقاط حكم الإخوان في مصر كان لها مفعول الزلزال على حركة النهضة في تونس، وهو ما جعل زعيمها يدرك أن الدور القادم سيكون عليهم؛ ما جعله يسرع بإقناع إخوانه بضرورة التسريع بإجراء "مراجعات" تشير إلى وجود مسافة بين النهضة والإخوان، بما يساعد على تجنب إعادة «السيناريو المصري». كما أكد المراقبون أن النهضة تنظر بعين المستقبل على الانتخابات المحلية، فبعد رفض جزء ليس بالقليل داخل حزب نداء تونس الترشح في قوائم مشتركة مع حركة النهضة في الانتخابات البلدية، مستندين إلى أن لها توجهات وأيدلوجية مختلفة عن النداء، ستواجه النهضة صعوبات للحصول على مقاعد في هذه الانتخابات؛ لذلك يقول المراقبون إنها تحاول التنصل من الإخوان بالإشارات الجديدة التي كانت في برنامج المؤتمر العاشر؛ لكسب التحالف مع النداء، وكسب ثقة الشعب مرة أخرى؛ لحصد الأغلبية في الانتخابات البلدية.