تعتزم اللجنة الرباعية الدولية «الاتحاد الأوروبي، روسيا، الولاياتالمتحدة، الأممالمتحدة»، إصدار تقرير في نهاية الشهر الجاري يتضمن انتقادات شديدة اللهجة للكيان الصهيوني؛ بسبب البناء الاستيطاني بالضفة الغربية والقدس وسرقة أراضي الفلسطينيين، وإنشاء بؤر استيطانية فيها، من بعدها سيرسل إلى مجلس الأمن الدولي للموافقة عليه. أهمية التقرير بالنسبة للاحتلال تحاول إسرائيل بالطرق كافة تعطيل أو عرقلة إصدار هذا التقرير، أو على الأقل التخفيف من حدة لهجته وانتقاده، حيث تكمن أهمية التقرير في أنه للمرة الأولى منذ سنوات ستعرض الرباعية موقفًا من الجمود في العملية السلمية والبناء الاستيطاني الذي تسارع خلال الفترة الأخيرة، كما أنه من المتوقع أن تمثل توصيات التقرير قاعدة للضغط على إسرائيل لوقف هذه الممارسات والعودة لطاولة المفاوضات، وربما القبول بالمبادرة الفرنسية التي يرفضها الاحتلال، أو التمهيد إلى عملية سياسية جديدة بين الطرفين، تكون أساسها قرارات يصدرها مجلس الأمن فيما يخص الحدود والقدس والأمن واللاجئين. ترجع أهمية الموضوع بالنسبة للكيان الصهيوني إلى أنه للمرة الأولى تتعاون فيه اللجنة الرباعية الدولية مع مجلس الأمن لإصدار قرار يدين الكيان الصهيوني، فقد أعلن وزراء خارجية الرباعية الدولية في اجتماع لهم خلال فبراير الماضي في ميونخ، عن نيتهم نشر تقرير في موضوع الجمود السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، وللمرة الأولى تطرّق البيان إلى التعاون الممكن بين الرباعية ومجلس الأمن الدولي. وبحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية فإن مصادر دبلوماسية غربية ومسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، توقعوا أن يكون التقرير قصيرًا نسبيًّا، ويشمل وصفًا للأوضاع الحالية وتوصيات بالخطوات التي يجب تنفيذها من قِبَل إسرائيل والفلسطينيين. ضغوط إسرائيلية القلق الإسرائيلي من تقرير اللجنة الرباعية الدولية اتضح جيدًا في الاتصالات الدولية التي أجرتها إسرائيل مع الدول الأعضاء في اللجنة، بهدف التخفيف من حدة التقرير، حيث يركز مبعوث رئيس الحكومة الإسرائيلية الخاص، المحامي يتسحاق مولخو، اتصالاته مع الموفد الأمريكي للعملية السلمية، فرانك ليفنشتاين، في محاولة للتأثير عليه، كما قدمت تل أبيب إلى ممثلي الرباعية وثائق مختلفة مغلوطة حول ما اسمته «جرائم السلطات الفلسطينية»، في محاولة لتلطيف الانتقاد على إسرائيل، أو على الأقل تشديد الانتقاد على الفلسطينيين، إضافة إلى الاتصالات التي يجري مسؤولون كبار في وزارة خارجية الاحتلال مع ممثلي الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا. هل تتدخل أمريكا لإنقاذ الحليف الصهيوني؟ شكك بعض المراقبين في خروج تقرير الرباعية الدولية بموقف جدي يشير إلى الحق الفلسطيني ويدين ممارسات الاحتلال الصهيوني، خاصة أن هناك معلومات تؤكد أن تقرير الرباعية تحول في الأسابيع الأخيرة إلى تقرير شبه أمريكي، انطلاقًا من أن مبعوث الولاياتالمتحدة، فرانك ليفنشتاين، هو المُكلف بكتابة التقرير، الأمر الذي ينذر بإمكانية أن تتعرض أمريكا لضغوط صهيونية تجعلها ترضخ كعادتها للرغبة الصهيونية، وهو ما يترتب عليه تخفيف حدة انتقاد الكيان الصهيوني خلال التقرير، خاصة أن أمريكا تعتبر الحليفة الأولى للاحتلال، التي دأبت كثيرًا على حمايتها من عدة تقارير وإدانات وعقوبات دولية، وجعلها كيانًا استثنائيًّا لا يحترم القانون الدولي ولا يخضع للمساءلة والمحاسبة. وقلل عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، تيسير خالد، من أهمية التقرير، ودعا إلى عدم انتظار الكثير من الرباعية الدولية التي حولتها إسرائيل ومن خلفها الإدارة الأمريكية إلى شاهد زور لا وظيفة له، وإلى إطار دولي مشلول وعاجز، يجري استحضاره في المناسبات كما هو الحال هذه الأيام من أجل تضليل الرأي العام الدولي، ووصف خالد الطريقة التي يجري بواسطتها إعداد التقرير، بالمناورة السياسية. في المقابل يرى بعض المراقبين أن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية مقبلة على مرحلة توتر جديدة؛ بسبب تقرير الرباعية الدولية، حيث إن موافقة الولاياتالمتحدة على التقرير، يشير إلى أنها على وشك تغيير بعض من مواقفها تجاه إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالاستيطان الذي أدانته الإدارة الأمريكية كثيرًا على استحياء، لكن الضغوط الدولية جعلتها تضطر إلى إدانته بقوة، وأشارت وكالة أسوشييتد برس، قبل يومين، إلى أن الإدارة الأمريكية وافقت على استخدام لغة أكثر حدة مما كانت من قبل في شجب البناء في المستوطنات، وتؤكد بعض التقارير أن المساعي الإسرائيلية لإقناع الإدارة الأمريكية بالتدخل لدى أعضاء الرباعية الدولية لتلطيف حدة الانتقاد، باءت بالفشل، الأمر الذي قد يشكل نقطة انطلاق لموقف أمريكي محتدم ضد الاستيطان في مجلس الأمن. هل يلتزم الكيان الصهيوني؟ الأيام المقبلة ستحمل إجابة على التساؤلات التي تم طرحها، حول ما إذا كانت اللجنة الرباعية الدولية ستخضع للضغوط الصهيونية أم ستُصر على موقفها المستنكر لممارسات الاحتلال، لكن التساؤل الحقيقي الذي يستحق الطرح هو أنه في حال ثبات اللجنة الرباعية على موقفها، واستطاعت بالفعل تمرير هذا الموقف إلى مجلس الأمن، وإصدار المجلس قرارًا يجبر الاحتلال على وقف ممارساته الاستيطانية، فهل سيحترم الكيان الصهيوني هذه القرارات أم ستلقى مصير سابقتها؟ خاصة أن هناك قرارًا سابقًا صدر من اللجنة الرباعية قبل ثلاثة عشر عامًا خلال اعتماد خارطة الطريق الدولية، يحث إسرائيل على وقف النشاطات الاستيطانية، الأمر الذي لم يلق أي اهتمام من الكيان الصهيوني ولم يلتزم به.