في الوقت الذي تشتعل فيه الأوضاع في الأراضي المحتلة مع تزايد الانتهاكات الإسرائيلية والممارسات القمعية بحق الشعب الفلسطيني، بلغ التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي أعلى مستوياته، الأمر الذي تحفظ عليه كثيرون من الفصائل والمواطنين؛ وذلك لأنه يهدف إلى القضاء على العمليات الفدائية المقاومة لجرائم الكيان الصهيوني. وباعتراف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية فإن هناك ارتياحًا واسعًا للتعاون مع السلطة الفلسطينية في التصدي لمنفذي الهجمات ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية. وقال ضابط بالإدارة العسكرية الإسرائيلية في الضفة إن التعاون مستمر رغم هذه الهجمات، مؤكدًا أنه بلغ واحدًا من أعلى مستوياته منذ اتفاق أوسلو عام 1993. وبخلاف الارتياح الرسمي للكيان الصهيوني كشفت الصحف الإسرائيلية عن لقاءات يومية تعقد بين ضباط فلسطينيين وإسرائيليين، يتم فيها تبادل معلومات استخبارية، وتسليم أسلحة ومواد قتالية بين الجانبين، كما تزود الأجهزة الإسرائيلية نظيرتها الفلسطينية بمعدات لتفريق المظاهرات الشعبية الفلسطينية، وينقل الجانب الفلسطيني الاعترافات التي يدلي بها معتقلون فلسطينيون لدى الأجهزة الأمنية إلى جهاز الأمن الصهيوني العام (الشاباك). وكان المجلس المركزي الفلسطيني قد اجتمع في مارس من العام الماضي، واتخذ قرارات بوقف التنسيق الأمني مع "إسرائيل"، إلا أن عدم تنفيذ هذه القرارات أثار علامات استفهام حول أسباب العزوف عن ذلك، في ظل إشادة صهيونية بمستوى التنسيق الأمني، رغم انتفاضة القدس المندلعة منذ مطلع أكتوبر الماضي. ولم يثر اعتراف الأجهزة الأمنية الصهيونية بتزايد التنسيق مع السلطة حفيظة الشعب الفلسطيني بقدر ما أثارته تصريحات الرئيس محمود عباس التي مثلت صدمة لكثير من الفلسطينين، حيث أكد أبو مازن أن تنسيق أجهزة الأمن الفلسطينية مع إسرائيل مستمر ويتعزز. ولم تقف تصريحاته عند هذا الحد، بل أدان في مقابلة مع مجلة «دير شبيجل» الألمانية العمليات التي ينفذها شبان فلسطينيون ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة الغربيةوالقدس المحتلتين، محملًا في الوقت ذاته حكومة «بنيامين نتنياهو» المسؤولية عن تدهور الأوضاع. وقال عباس في المقابلة «إن التنسيق الأمني مع إسرائيل يسير على ما يرام، ويمكنني القول إن الأوضاع في المناطق الفلسطينية تحت سيطرة أجهزتنا الأمنية، على الرغم من محاولات حركة حماس لتخريب الأمور»، مضيفًا أن «القوات الفلسطينية اعتقلت 3 من الشبان، وحققت معهم؛ ليتبين أنهم كانوا ينوون تنفيذ عملية ضد الكيان الصهيوني أم لا»، متابعًا: «ما يمكنني قوله أن قواتنا تعمل بكفاءة عالية لمنع "الإرهاب"». وأثارت هذه التصريحات غضب الكثيرين، وعلى الرغم من أن جزءًا من مؤيدي عباس أكدوا أن هذه التصريحات تأتي في إطار مخاطبة الخارج، وأن هناك لغة ينبغي أن يتحدث بها خلال اجتماعاته بالزعماء في العالم على خلفية سعيه لحشد الطاقات الدولية من أجل مبادرة السلام الفرنسية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، رفضت الفصائل الفلسطينية هذه التصريحات ووصفتها بالمخزية. وانتقد مروان البرغوثي، الذي يقبع في الأسر منذ إبريل 2002، بشدة موقف السلطة الفلسطينية من التمسك بالتنسيق الأمني، وقال إن «حالة مقاومة الاحتلال لا تستقيم ولا تنسجم مع التنسيق الأمني، ولا يعقل أن تقاوم الاحتلال من جهة، وتنسق معه من جهة أخرى»، ودعا لإعادة النظر في وظائف السلطة وإنهاء دورها الأمني؛ «لأن الشعب أراد سلطة وطنية تشكل جسر عبور للاستقلال وليس جسرًا لتأبيد الاحتلال والاستيطان. ومن الواضح أن السلطة عاجزة عن أن تكون حاضنة لمقاومة الاحتلال وللهبة الشعبية أو الانتفاضة». وعبر البرغوثي عن اعتقاده بأن النظام السياسي الفلسطيني «يعيش حالة من العجز والتآكل والفشل، ووصل إلى طريق مسدود»، ورأى أن «تصويب المسار يقتضي إعادة الاعتبار لخطاب التحرر الوطني». وأدانت حركة "حماس" تصريحات عباس، وأكدت أنها «تنظر ببالغ الخطورة إلى تصريحات رئيس السلطة محمود عباس، والتي اعترف فيها باستمرار التنسيق الأمني ضد الانتفاضة، وأنه اعتقل بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة شبان من مدينة رام الله مؤخرًا»، ودعا أبو زهري، الرئيس عباس إلى التوقف عن هذه المواقف والتصريحات الغريبة عن ثقافة الشعب الفلسطيني ومواقفه الوطنية. ولم تكن الجبهة الشعبية بعيدة هي الأخرى عن الموقف الرافض لتصريحات عباس عن التنسيق الأمني، حيث جددت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين دعوتها اللجنة التنفيذية إلى محاسبة الرئيس محمود عباس وسلوكه السياسي الذي اعتبرته «تجاوزًا لأعراف وتقاليد الشعب الفلسطيني وثورته».