(1) عندما استمعت للمرة الأولى مصطلح "أهل الشر" في إحدى لقاءات السيد عبد الفتاح السيسى، أدركت مباشرة أن مقصده من هذا التعبير ينطبق على كل من يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة، ويعيث في الأرض فسادًا، بغية بسط نفوذه، وتحقيق أهداف معينة لا تجيزها القوانين؛ عن طريق القتل أو التهديد، واستخدام العنف الجسدي، مما ينتج عنه إحداث الذعر بين المواطنين. لكن بمرور الوقت، ومع تكراره لكلمتي أهل الشر في كثير من خطبه ولقاءاته، ورده على الانتقادات الموجهة له مؤخرًا لاتفاقه على بيع جزيرتي "تيران وصنافير" للمملكة العربية السعودية، وكذا حادث مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، وتحذيره ممن أسماهم بأهل الشر الذين يتآمرون على مصر، وحث الشعب المصري على الثقة به، بات واضحًا جليًا أن من يقصده هم الشباب الرافضون لبيع الجزيرتين، والمعارضون لحكمه وسياساته التي ستهوي بمصر إلى الجحيم.. (2) "أنا مش جاي أعاتبكم، أنا جاي أشكركم" هكذا يتغاضي الجنرال عن الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها رجال الشرطة، وبدلًا من ردعهم ومحاسبتهم وتأهيلهم نفسيًا، يتم شكرهم.. لم يتحدث عن أهل الشر داخل "جمهورية الحواتم" الذين يرهبون الناس، وقاموا بقتل الشاب مصطفي محمد "بائع الشاي" على يد أمين شرطة بمدينة الرحاب، لا لشيء سوى أنه رفض دفع "اتاوة" نظير تركه يبيع الشاي بالمنطقة، وأخبره أنه في بداية اليوم ولم يجمع ما يكفي من المال لإعطائه، فقام على أثرها أمين الشرطة بإطلاق النار من سلاحه الميري، مما أدى إلى وفاة الشاب وإصابة إثنين آخرين، أو عن قتيل الدرب الأحمر، سائق سيارة سوزوكي، الذي قتله أمين الشرطة لمطالبته بدفع ثمن تنقله.. لم يشر الجنرال من قريب أو من بعيد إلى الفاسدين المفسدين داخل المصالح الحكومية، وأجهزة الشرطة، أو رجال الأعمال الذين تُسن لهم القوانين والتشريعات؛ لتخدم مصالحهم، ويزدادوا غناء على غناهم، أليس أهل الشر هم من تسببوا في رفع سعر الدولار إلى معدل لم تشهده مصر في تاريخها، ليصل سعر شرائه إلي 11.15 وبيع إلى 11.40؛ ليزداد بذلك الفقراء الكادحين فقرًا على فقهرهم وبؤسًا على بؤسهم. أهل الشر من وجهة نظر الجنرال هم هؤلاء الشباب الذين زج بهم في غياهب سجونه، لرفضهم التفريط في تراب هذا البلد، وأمر بحبسبهم، وحتى بعدما أصدرت النيابة قرارًا بإخلاء سبيلهم، وإبلاغ المحامين رسميًا بذلك، في غضون ساعتين تبدلت الأحوال وتم تغيير القرار وأمر بحبسهم، في سابقة تعد الأولى في تاريخ القضاء المصري، أهل الشر هم من يريدون أن يقيموا دولة العدل القائمة على الحرية والديموقراطية والعدالة الإجتماعية. ولكي تكون من أهل الخير يجب أن تفعل مثلما فعل عدد من العاملين بمؤسسة "الأهرام" فنظموا وقفة احتجاجية أمام مبنى المؤسسة، للمطالبة بعزل الدكتور أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة "مؤسسة الأهرام" من منصبه، لرفضه التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ويجب عليك ألا تفعل ما يفعله أمثال الباحث والصديق المحترم إسماعيل الإسكندراني، الذي تم تجديد حبسه 45 يوم، بناء اتهام النيابة له بالقيام ببحث علمي عن أهالي سيناء والأمن في سيناء "دون تبني وجهة نظر الشرطة والجيش عن هذه الموضوعات"، يجب عليك أن تكون طيعًا، دُمية في يد الأجهزة الأمنية، تنقل عنها وتكتب ما تمليه عليك، وألا تجتهد وتفعل ما يمليه عليك ضميرك ومهنيتك. إن النظام الفاشي الذي يحكمنا، لم يترك ساحة للحرية والتعبير إلا واخترقها بسطوته، ليجعل من كل واحات الفكر مسخًا لأفكاره، ومركزًا لمؤيديه.. نظام اتخذ من قبضته الأمنية المتغطرسة وسيلة تطول كل من سولت له نفسه أن يعارضه، نظام فقد صوابه وعقله وبات متخبطًا في كل أفعاله حتى أصابه الجنون، شن حملات اعتقالات عشوائية على مقاهي وسط البلد واقتحموا منازل الشباب في ظلمة الليل غير عابئين بحرمات البيوت.. وليس لنا من الأمر شيئًا سوى يقيننا بأن ماذا غير نور الفجر بعد الظلمات.