تطور لافت في المشهد الأمني من الناحية الإسرائيلية، يقابله تصاعد الهبّة الشعبية من الناحية الفلسطينية، فبعد أن تراجعت حدة عمليات الطعن والدهس التي كان ينفذها شباب المقاومة بشكل فردي، عادت العمليات من جديد إلى الشارع الفلسطيني بشكل أكثر حدة وتصعيد، فيبدو أن المقاومة كانت تُعيد تنظيم صفوفها من جديد للخروج بشكل أقوى وأكثر حدة يتماشي مع التصعيد الصهيوني الأخير. وأصيب نحو 21 شخصًا بعضهم بحالة خطرة، في انفجار حافلة ركاب تحمل الرقم 12، تابعة لشركة "إيجد" بشارع الخليل جنوبي القدس، وأدى الانفجار إلى احتراق حافلة أخرى كانت متوقفة بالقرب من الحافلة المستهدفه، وقالت المتحدثة باسم شرطة العدو، إن مجمل الإصابات 21 جريحًا، 2 منهم إصاباتهم بالغة الخطورة، و7 بجراح متوسطة. حاولت الشرطة الصهيونية في بداية الأمر إخفاء نجاح أحد المقاومين في الوصول إلى حافلة وزرع متفجرات بها، رغم التشديدات الأمنية الإسرائيلية، فقالت إن الانفجار نجم عن عطل فني، لكن مع تزايد عدد المصابين افتضحت الكذبة الصهيونية، وعادت الشرطة الإسرائيلية عن قولها مؤكده أن الانفجار نجم عن عبوة ناسفة وضعت بالقسم الخلفي من الحافلة. روجت وسائل إعلام العدو أن فلسطينيًا من قرية صورباهر هو منفذ العملية وأصيب بجروح خطرة، وقالت إن القنبلة التي تم زرعها في الحافلة لم يتم تفجيرها عن بُعد، وقال السائق إنه قبل انطلاقه، فتش الحافلة مرتين لكنه لم يجد شيئًا، وفي خلال قيادته الحافلة، سمع دوي انفجار خلفه ففتح أبواب الباص طالبًا من الركاب النزول، مؤكدًا أنه رأى شابًا فلسطينيًا مقطوع اليدين، وأعلن قائد شرطة العدو في القدس، اللواء يورام هاليفي، أن التحريات تجري بشأن كيفية وصول العبوة وهوية الشخص الذي وضعها، موضحًا أنه يجري فحص احتمال أن يكون الشخص الذي جلس في الجزء الخلفي من الباص وأصيب بجراح خطرة جدًا هو المسؤول عن وضع العبوة. العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية تأتي بعد أقل من أسبوعين على تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، التي تباهى خلالها بتراجع عدد العمليات الفردية الفلسطينية، وأرجع الفضل في ذلك إلى عمليات الكيان الاستخباراتية وقوات أمنه، فقال نتنياهو حينها إن هناك تراجعًا كبيرًا في عدد العمليات ضد الإسرائيليين، بفضل السياسة الهجومية والمنظمة للحكومة الإسرائيلية، لتأتي عملية القدس وتمثل صفعة قوية من المقاومة على وجه نتنياهو، الذي لم يجد أمامه سوى تصعيد نبرة التهديد عقب وقوع العملية، قائلا إن هذه المعركة ضد عمليات السكاكين والصواريخ وحتى الأنفاق وإطلاق النار والقنابل، مضيفا أنه سيرد بقوة على عملية استهداف حافلة الركاب التي وقعت في القدسالمحتلة وكل عملية، وأنه سوف يصفي حساباته مع من يقفون خلفها. الفصائل الفلسطينية تبارك باركت فصائل المقاومة الفلسطينية عملية القدس، حيث قالت حركة الجهاد الإسلامي العملية إنها رسالة تأكيد على استمرار الانتفاضة، وتدلل على حيوية المقاومة كخيار متجذر في العقل والوجدان الفلسطيني، فيما قالت مصادر في المقاومة إن العملية تردّ على تصريح رئيس السلطة الفلسطينية، بأنه في حال انسحاب إسرائيل من المناطق "أ"، فإنه سيخمد الانتفاضة، وأضافت: بعد عملية القدس لن يستطيع عباس إخماد الانتفاضة لأنها دخلت مرحلة جديدة. بدورها، باركت حركة حماس العملية، واعتبرتها رد فعل طبيعي على الجرائم الإسرائيلية، خاصة الإعدامات الميدانية وتدنيس المسجد الأقصى، كما قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن العملية تأتي كرد فعل طبيعي على الانتهاكات الإسرائيلية اليومية بحق الفلسطينيين، فيما حملّت الجبهة الديمقراطية، الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن عملية القدس، وقالت في بيانها إن العملية جاءت نتيجة ما وصفته ب"الإرهاب الإسرائيلي المنظم ضد الشعب الفلسطيني من الاعدمات للاستيطان والتهويد والاعتقالات". الهجوم على الحافلات.. سمة فلسطينية قديمة العملية الفلسطينية الأخيرة أعادت إلى الأذهان الانتفاضتين الأولى والثانية، حيث كان الهجوم على الحافلات هو السمة السائدة حينها، وكان من أبرز العمليات التي نفذها الاستشهادي محمود عمران القواسمي، من مدينة الخليل، في مارس عام 2003، واستهدف خلالها حافلة رقم 37 التابعة لشركة إيغد الصهيونية، بعد مغادرتها المحطة المركزية في الشارع الرئيسي بحي كارميليا بضواحي مدينة حيفا المحتلة شمالي تل الربيع، التي أدت إلى مقتل 16 صهيونيًا وإصابة أكثر من أربعين آخرين، وجاءت كرد على عملية صهيونية في مخيم جباليا، وقال شهود عيان حينها إن الانفجار كان من القوة بحيث حول الحافلة إلى قطع معدنية متفحمة، وإن أشلاء القتلى تناثرت على الطريق. في ديسمبر من نفس العام، أعلنت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مسؤوليتها عن عملية فدائية نفذتها في محطة للحافلات على مفترق طرق قرب بلدة بتاح تكفا شمال شرق تل أبيب، ما أسفر عن سقوط أربعة قتلى وحوالي خمسة عشر جريحًا إسرائيليًا، واستشهاد منفذ العملية، سائد حنني، من بلدة بيت فوريك شرقي نابلس، وفي 19 سبتمبر من نفس العام، أعلنت حركتا الجهاد الإسلامي وحماس، مسؤوليتيهما عن العملية الفدائية التي وقعت في حافلة ركاب في القدسالغربية وأسفرت عن مقتل 20 إسرائيليًا وجرح نحو 120 آخرين، حيث كان المنفذ ينتمي إلى حركة حماس ويدعي رائد عبد الحميد مسك. في 22 فبراير عام 2004، قتل ثمانية أشخاص وأصيب 62 آخرين، عندما فجر فلسطيني نفسه في حافلة بالقدسالغربية، وتبنت كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح العملية، وقالت إن منفذها هو أحد كوادرها ويدعى محمد خليل الزعول، وفي 29 يناير من نفس العام، نفذ استشهادي فلسطيني يدعى علي منير يوسف، من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، عملية فدائية جريئة في قلب القدس، عندما فجر نفسه في حافلة للركاب، ما أسفر عن مقتل 10 إسرائيليين وجرح حوالي 50 آخرين. في 21 نوفمبر عام 2002، فجر مقاوم فلسطيني نفسه داخل حافلة ركاب إسرائيلية قرب ضاحية كريات مناحيم في القدسالغربية، ما أسفر عن مقتل عشرة إسرائيليين وجرح ما يزيد على 40 آخرين، وفي 21 أكتوبر من نفس العام، أدى هجوم شنه فدائي فلسطيني بسيارة مفخخة على حافلة إسرائيلية إلى مقتل 14 إسرائيليًا وإصابة أكثر من 50 آخرين بجروح بالغة، وقالت مصادر أمنية حينها إن الانفجار وقع بينما كانت الحافلة متجهة من مدينة العافولة إلى الخضيرة شمال إسرائيل، وأعلنت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن العملية.