رغم العتاد والتسليح الذي يمتلكه جيش الاحتلال الصهيوني والذي لا يمكن مقارنته بالأسلحة التي توجد في أيدي أبناء الشعب الفلسطيني، فإن الروح الانهزامية وغياب الدفاع عن الحق، جعل جنود الاحتلال ومستوطنيه يرتعدون خوفا من السكين الفلسطينية التي راحت تنتقم لأبناء الشعب الأعزل من الانتهاكات والاستفزازات التي ينفذها الاحتلال عبر أدواته وأذرعه المختلفة داخل الأراضي المحتلة. ما أشبه الليلة بالبارحة، حوادث طعن ودهس متبادلة بين الفلسطينيين من جانب، وقوات الاحتلال والمستوطنين من جانب آخر، اقتحامات وانتهاكات وهدم منازل واعتقالات يومية، في مشهد تكرر قبل اندلاع الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية، وهو ما دفع الكثيرين للقول بأن بوادر الانتفاضة الفلسطينية الثالثة بدأت تلوح في الأفق خلال الفترة الراهنة بقوة، خاصة خلال الأسابيع الماضية التي تصاعدت فيها حدة الاشتباكات والتوترات بين الفلسطينيين والاحتلال، وتزايدت فيها حوادث الطعن الفلسطينية لتصبح سلاح المقاومة الجديد الذي يدافع به أبناء الشعب الأعزل عن وطنهم ويتصدون به للمحتل. حالة من التصعيد والغليان اشتعلت في عموم الضفة الغربية ومناطق القدس، ليصبح الشعب الفلسطيني وعلى رأسه فصائل المقاومة على أتم الاستعداد للتضحية والإقدام على انتفاضة ثالثة يحترق فيها الأخضر واليابس، وتتزلزل فيها الأرض تحت أقدام الاحتلال، ومن ثم تبتلعه دون رجعة. البداية دائما انتهاكات بدأت الانتفاضة الفلسطينية الأولى والتي يطلق عليها "انتفاضة الحجارة" بانتهاك صهيوني صارخ جعل الأوساط الفلسطينية تشتعل غير مكترسة بتبعيات أو ردات فعل الاحتلال الصهيوني، حيث استطاعت يد الشعب الفلسطيني الذي لا تملك سوى الحجارة، ودون دعم من الدول العربية المحيطة التي اكتفت بالتنديدات أن تتغلب على العدو الصهيوني الذي يملك أحدث أسلحة عالمية فضلًا عن الدعم الأمريكي الذي يتلقاه. في 8 ديسمبر عام 1987 تفجّرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في قطاع غزة وبالتحديد في منطقة "جباليا"، وسريعًا ما انتقلت الشرارة إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين المحتلّة، لكن بالعودة قليلًا إلى أيام ما قبل الانتفاضة نجد أن شرارة الانتفاضة اشتعلت بالأساس بعد قيام سائق شاحنة صهيوني بتعمد دهس مجموعة من العمال الفلسطينيين على حاجز "إريز"، الذي يفصل قطاع غزة عن بقية أرض فلسطينالمحتلة منذ سنة 1948، مما أدى إلى استشهاد 4 من العمال الفلسطينيين وأصيب آخرون في هذا الحادث، وأًشيع آنذاك أن هذا الحادث كان عملية انتقام من قبل والد أحد الإسرائيليين تم طعنه قبل يومين بينما كان يتسوق في قطاع غزة وتوفي متأثرًا بجراحة، ومن هنا اعتبر الفلسطينيون أن الحادث هو عملية قتل متعمد. إذا نظرنا نظرة متأنية للأحداث الدائرة الآن في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، نجد أن الأيام تعيد نفسها لكن باختلاف التفاصيل والنهايات، فكما اشتعلت الانتفاضة الأولى بجريمة دهس عنصرية كبيرة، وتبعتها اشتباكات ومواجهات ارتقت لتصبح "انتفاضة"، وقعت منذ أيام جريمة عنصرية كبيرة أيضًا بحق عائلة فلسطينية، لكن هذه المرة تحول "الدهس" إلى "حرق" عندما أقدم مستوطنون يهود متطرفون على إحراق منزل لعائلة فلسطينية في قرية "دوما" جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربيةالمحتلة، مطلع أغسطس الماضي، فيما كانت الأسرة داخله، مما أسفر عن استشهاد الطفل الرضيع علي دوابشة، البالغ من العمر عاما ونصف، وإصابة والديه وشقيقه البالغ من العمر 4 سنوات، بحروق خطيرة استشهدوا على إثرها. النهاية.. انتفاضة لم يمضِ وقت طويل على هذه الجريمة الصهيونية النكراء والتي راح ضحيتها عمال فلسطينيون حتى انتفض الشعب الفلسطيني معلنًا قيام ثورة شعبية عارمة تعمّ الضفة والقطاع، وظلت الانتفاضة تشتعل يومًا بعد يوم، ولم تتأثر باعتقال الاحتلال للآلاف من الشبان واستشهاد الآلاف من الفلسطينيين وجرح آلاف آخرين. على الجانب الآخر؛ أشعلت جريمة حرق الدوابشة نار الغضب في نفوس الفلسطينيين وفصائل المقاومة، دعوات الثأر والانتقام انطلقت سريعًا لرد حق الأسرة الشهيدة، فأخذت المواجهات التي تتشابه كثيرًا وأحداث الانتفاضة الأولى منحنى تصاعديًا ملحوظًا، وعادت حوادث الطعن الفلسطينية للجنود والمستوطنين الإسرائيليين إلى الواجهه مجددًا. خلال الأسابيع القيلة الماضية، استشهد الشاب الفلسطيني أكرم الجندي، بعد إصابته برصاص الاحتلال الإسرائيلي جنوب الأراضي المحتلة، بعد أن حاول تنفيذ عملية طعن جندي إسرائيلي في مستوطنة "كريات غات"، حيث سرق الفلسطيني سلاح أحد الجنود الصهاينة وطعنه وفر هاربًا من الحافلة التي كانوا على متنها إلى بناية قريبة، وقامت وحدة من الشرطة الاسرائيلية بمطاردته إلى البناية، وأطلقت النيران عليه مما أدى إلى استشهاده. نجح الشاب الفلسطيني مهند الحلبي، البالغ من العمر 19عامًا، وهو من مدينة البيرة برام الله، في عملية طعن أدت إلى مقتل مستوطنيْن وإصابة اثنين آخرين، فيما أطلقت قوات الاحتلال النار عليه مما أدى إلى استشهاده على الفور، وبعد العملية بيومين نفذ الشاب فادي علون، من قرية العيساوية عملية طعن جديدة قرب باب العامود في مدينة القدس، أدت إلى إصابة مستوطن، ومن ثم أطلق الاحتلال النار عليه واستشهد على إثرها. كما أصيب 3 مستوطنين بجروح في عملية طعن قرب المجمع التجاري الكبير في "بتاح تكفا" شرق تل أبيب، فيما استهدفت الشرطة الإسرائيلية شابة فلسطينية بعدما حاولت طعن أحد المستوطنين الذي حاول خلع حجابها، حيث قال شهود العيان إن الفتاة كبرت بوجه مستوطنين كانوا في شارع الواد، فهاجمها أحدهم وحاول خلع حجابها، فما كان منها إلا أن أخرجت سكينًا وحاولت طعنه وأصابته بجروح طفيفة، ما دفع بالمستوطن إلى إخراج سلاحه وإطلاق النار عليها قبل أن تستهدفها شرطة الاحتلال. مؤخرا؛ أصيب مستوطن صهيوني يبلغ من العمر 20 عاما، بجروح وصفت بالخطيرة في عملية طعن أيضًا في القدسالشرقية، واعتقلت الشرطة الإسرائيلية شابًا فلسطينيًا يشتبه بتنفيذه العملية، وتمت العملية بالقرب من مقر الشرطة العام وبالقرب من محطة للقطار الخفيف في الشيخ جراح في القدسالشرقية. "الطعن".. تاريخ مقاومة عمليات الطعن الفلسطينية ليست أسلوبا مستحدثا بالنسبة للمقاومة الشعبية الفلسطينية، ففي شهر يناير الماضي طعن الشاب الفلسطيني حمزة محمد متروك، نحو 13 إسرائيليا في تل أبيب، عندما هاجمهم بسكين في إحدى الحافلات بوسط تل أبيب، ما أدى إلى جرحهم قبل أن تطلق الشرطة النار عليه وتعتقله، حيث أصيب في الحادث 6 أشخاص بجروح بالغة أو خطيرة، و4 آخرون بجروح طفيفة. وفي نوفمبر الماضي، قتل فلسطيني جنديا إسرائيليا ومستوطنة في حادثتي طعن منفصلتين، في كل من تل أبيب، ومستوطنة غوش عتصيون، بالضفة الغربية، وكان الفارق بين العمليتين بضع ساعات، وبعدها بأيام طعن شاب فلسطيني جنديًا إسرائيليًا داخل حافلة شمالي إسرائيل، وأدى الحادث في حينه إلى مقتل الجندي بعد ساعات متأثرًا بجراحه، وبعد 3 أيام فقط على الحادث الأخير، تعرض إسرائيلي للطعن في القدسالشرقيةالمحتلة، واتهمت الشرطة الإسرائيلية فلسطينيًا بتنفيذ الهجوم. وفي مطلع ديسمبر الماضي، أصيبت شابة فلسطينية بجروح خطيرة من جراء إطلاق الجيش الإسرائيلي النار عليها، بعد أن طعنت جنديًا قرب مستوطنة في الضفة الغربيةالمحتلة، وفي ذات الشهر أيضًا، طعن فلسطيني مستوطنين اثنين في مجمع تجاري شرقي مدينة القدس، إلا أن حارس المجمع أطلق النار على الفلسطيني وأصابه في قدميه، وفي 26 من الشهر نفسه أعلنت المتحدثة باسم الشرطة الإسرائيلية أن فلسطينيًا طعن بسكين شرطيين إسرائيليين في البلدة القديمة في القدس، مما أدى إلى إصابتهما بجروح طفيفة. حرب السكاكين عرفت الانتفاضة الفلسطينية الأولى ظاهرة "حرب السكاكين" أيضًا، حيث كان الفلسطينيون يهاجمون الجنود والمستوطنين الإسرئيليين بالسكاكين ويطعنونهم، وكانت أول عملية طعن بالسكاكين في الانتفاضة الأولى نفذها مقاوم من حركة حماس يدعى عامر أبوسرحان، حيث قتل 3 صهاينة في أكتوبر عام 1990، كما قتل مقاوم من "الجهاد الإسلامي" يدعى علاء الدين ذياب الكحلوت، 3 صهاينة آخرين في عملية طعن بطولية في مدينة أسدود المحتلة. عجز استخبارات الاحتلال عمليات الطعن الفلسطينية التي ينفذها الفلسطينيون ضد أهداف إسرائيلية سواء في الضفّة الغربيّة أو داخل الخط الأخضر، تعتبر إحدى أسلحة المقاومة التي تعجز إسرائيل حتى الآن عن مواجهتها والتغلب عليها، خاصة مع تصاعد وتيرة هذه العمليات في الفترة الأخيرة، ومع تصعيد المستوطنين لاستفزازاتهم واعتداءاتهم على أملاك وسيارات ومنازل ومزارع الفلسطينيين. على الرغم من الإجراءات الصهيونية المشددة والقوانين والتشريعات العنصرية التي تسنها الحكومة الصهيونية لتضييق الخناق على المقاومة الشعبية والمسلحة، إلا أن عمليات الطعن تظل التحدي الأكبر التي تقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أمامه عاجزة عن التصرف، حيث أقرت المخابرات الإسرائيلية بأن فرص إحباط العمليات الفردية تقترب من الصفر، حيث يقول "الشاباك" الإسرائيلي إنه "يكاد يكون من المستحيل الحصول على معلومات استخبارية مسبقة يمكن على أساسها إحباط العمليات الفرديّة قبل حدوثها، كما يحدث في العمليات التي تنفذها الفصائل الفلسطينية المنظمة".